الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ -
المقالات

مجمل التقويم والصيانة لما جمعه الشيخ محمد الإمام في كتابه الإبانة

2010/07/08

 

مجمل التقويم والصيانة
لما جمعه الشيخ محمد الإمام
في كتابه "الإبانة.."
 
لفضيلة الشيخ
أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
-حفظه الله تعالى-
دار الحديث السلفية بدماج
حرسها الله من كل سوء ومكروه
 بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
 
السؤال:
يسأل بعض الإخوان عن رسالة الشيخ محمد بن عبد الله الإمام "الإبانة عن كيفية التعامل مع الخلاف بين أهل السنة والجماعة" ؟
 
الجواب:
       الرسالة نظير رسالة: "رفقا أهل السنة بأهل السنة"، للشيخ عبد المحسن العبّاد –وفّق الله الجميع-، إلاّ أنّ رسالة الشيخ العبّاد أوضح قصداً، ورسالة الشيخ الإمام أكثر تبويباً. وقد ردّ الشيخ النجمي –رحمه الله- على رسالة الشيخ العبّاد ردًّا جميلاً محلى بالوضوح والنصح والإنصاف، طبع ضمن كتابه: "الفتاوى الجليّة عن المناهج الدعويّة"، طبعة دار المنهاج (1/220) إلى آخر الجزء.
       أما رسالة أخينا الشيخ محمد الإمام –وفقه الله- فممكن أن يقلبها علينا كل من يدعي السنة: (الإخوان المسلمون) أو (القطبية) أو (أبو الحسن) ؛ يمكن أن يأخذوا هذا الكتاب ويقلبوه ضدنا إن شاءوا غيّروا العنوان أو غيّروا اسم المؤلف، وإن شاءوا تركوه على ما هو، وهذّبوا ما أرادوا تهذيبه منه، وصدروه باسم الردّ علينا بنفس المادة ؛ ونحن ممكن أن نأخذ الكتاب ونردّ به عليهم. فالكتاب يمكن أن يتجاذبه كل من يدّعي السنة في الردّ على الآخر لكونه فيه ذكر أدلة وآثار عامة مجملة كل قد يَسْحَبـُهَا لصالحه.
الكتاب مستغل، قد يستغله (الحزبيون) علينا، مع أنَّنا نحسن الظن بالشيخ محمد أنه ألَّفه -إن شاء الله تعالى- بحسن قصد -والله حسيب الجميع-، ولا أستبعد أن يستغله (الحزبيون) وفصائلهم يدرسونه ويشيدون به باعتبار أنهم يقولون: "أهل السنة يحزّبوننا، ونحن أهل سنة، وهذه الأدلة تؤيّد أقوالنا..".
وقد كتبوا في نفس الموضوع نظائره إلاّ أنهم يصرّحون بالطعون في أهل السنة، فلم تكن لكتاباتهم كبير رواج، وهم وفصائلهم يرون أنه "لا يجوز لأحد أن يقول عنهم إنهم خارجون عن أهل السنة ؛ بل يرون إنهم هم أهل السنة حقاً.."، وأن تحزيبهم: "بغيٌ.." ! و"ظلمٌ.." ! و"عدم حرص على الأُخوة.." ! و"عدم حرص على جمع كلمة المسلمين.." ! و"سعي بالفرقة.."، و"نزغات شيطانية.." ! و"تحاملٌ.." ! وغير ذلك من الأوصاف.
ولهذا، الذي يريد أن يكتب في "أدب الخلاف" يوضح ويسير في أدب الخلاف على ما دل عليه قول الله تعالى:﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[الشورى:10]، وقوله: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[النساء:59]، ثم يشرع في الموضوع: -كيف كانت دعوة الرسل وردود السلف ؛ -وكيف عرضها على الكتاب والسنة وعلى قواعد أهل العلم وعلى المصالح الشرعية الدينيـة لا الشخصيـة ؛  -وكيف بيان خطأ المخطئ ؛ -وأدب الطالب مع معلمه ؛ -والولد مع وَالِده ؛ -والراعي والرعية ؛ -وكيف احترام العلماء والتعامل معهم -تعاملاً صحيحاً- ؛ بدون هوى وبدون تقليد ولا عصبية وأمثال هذا.
هذا موضوع يحتاج إلى كتابة فيه -علمية واضحة-، بدون لفيف يستغله ضدّنا المخالفون، ولا تعسّف ومحاولة تطويع الموضوع لدعم جانب التوقّف الصوري مع قول فلان أو غيره من المشايخ في هذه الفتنة.
وقد أخبرنا إخواننا أهل السنة في كثير من البلدان أن جماعة (أنصار السنة) وغيرها يأخذون من رسالة "رفقاً.." للشيخ العبّاد –وفقه الله-، ويردّون منها على أهل السنة وهم يضاهون (الإخوان المسلمين) في كثير من المخالفات، ثم يستغلّون هذه الرسالة في صالحهم ضدّ أهل السنة على أنَّناَ: "لم نرفق بهم وهم أهل السنة.."، فـ: "نحن مُتشدِّدون.." و"ظلمة.." وغير ذلك من الفرى. هذا، وهي أوضح من رسالة الشيخ محمد الإمام -وفّقنا الله وإياهم جميعاً-.
فإذاً الشيخ محمد الإمام -أصلحه الله- قدّم خدمةً -لا أظنه يريد تقديمها جاهزة لعديد من الفرق الناسبة أنفسها إلى أهل السنة-، -وإن كان قصده في هذا حسناً فيما نحسبه والله حسيبه-، ولكن «كم من مريد للخير لم يبلغه». فصار حاله في هذه الرسالة كَـما قيل:
رام نفعاً فضرّ من غير قـصـدٍ           ومن البرّ ما يـكون عـقوقـا
 
وكمن يحاول أن «يعالج الزكام بما قد يسبب الجذام»، فهو على حساب المحاماة عن (العدني) و(الوصابي) جرّه ذلك إلى الدِّفاع عمّن لا يرضى الدِّفاع عنه وشيء من الغمز والتحقير لإخوانه أهل السنة في دار الحديث بدماج، وغير ذلك من المخالفات لسْنا في سياق نقدها الآن، والله المستعان.
فيا ليته يعيد النظر في هذا الكتاب، ولا يغتر بتلك المقدِّمات العاطفية التي لم تقوّم الكتاب تقويما عِلمياً، فالكتاب هذا هو تقويمه وهذا مضمونه، وهذه رتبته بلا وكْسٍ ولا شططٍ -إن شاء الله- كما تقدّم: أنه يخدم عديداً من الفرق الناسبة أنفسها إلى أهل السنة.
وأنه قد تضمّن بعض أصول (أبي الحسن) و(عرعور) وغيرهم ممن قد رُدّ عليهم خطؤهم في جعل هذا الغلاف المحيطي لحماية أخطائهم، وعدم نقدها، وعدم قبول الجرح فيهم بحق، بنقولات عامة مجملة قد بارت على أصحاب فكرة "الموازنات" وغيرهم، بِـغَضِّ النظر عن قصد مؤلفه أخينا الشيخ محمد الإمام -وفّقه الله-، وهذا يفيد أن المحاماة عن أخطاء الرجال -بقصد أو بغير قصد- تتعب المحامي والمحامى عنه وغيرهم.
ينبغي لمن يريد أن يقوّم الكتاب أولاً: أن ينظر إلى أبعاد ما يتضمنه الكتاب، وما يهدف إليه.
فهذا الكتاب يهدف إلى قضية حاصلة بين (الحجوري) و(العدني) و(الوصابي)، ويريد يلملم من هنا ومن هنا، والمسألة أبعادها أوسع، أبعادها يستفيدها (الإخوان المسلمون)، ويستفيدها (القطبيون)، ويستفيدها (الحسنيون) وغيرهم، ويردّون علينا بمادة جاهزة.
أما مسألتُنا هذه فهي أدنى من هذا كلّه لو سلمت من الرغبة في توسيعها علينا لمقاصد ودوافع، ليس الله عنها بغافل فلا تحتاج إلى هذا التفالت والهيلمة، فبعض طلابنا حصل منهم كذا وكذا وتحزّبوا، فإن رجعوا وإلاّ يخلف الله، وقد أخلف الله خيراً منهم ولله الحمد.
وخير ما يسْلكه من أراد الخير له ولهم في هذه المسألة حثّهم على التوبة والرجوع إلى جادة الصواب، بدون أن تجهدوا أنفسكم وغيركم بالمحاماة عن أخطائهم وأخطاء غيرهم ضمناً، وتجريئهم على التمادي في الباطل، هذه طريقة خاطئة من أساسها إلى رأسها وإن زُيِّنت لكم وسميتموها (..تَـوَقُّفاً..) أو (..صُلْحاً..)، فإنها تضر المحامي عن الباطل والمحامى عنه، لأن الحق أقوى من أن يخضع لمجرد برز عضلات بغير برهان.
هذا هو الصواب لمن أعطى الحق عظمته، ونزّل الأمور منازلها، بفقه مأخوذ من قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا﴾[الأنعام:164]، وقوله: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[الإسراء:15].
سؤال:
أخ يقول: هل نستطيع أن نقول إن كتاب الشيخ محمد الإمام: هذا كتاب دعوة للتقريب بين الفِرق المناوئة لأهل السنة مع أهل السنة ؟
الجواب:
       ليس على إطلاقه في سائر المناوئين، نعم مؤداه دعوة للتقريب بيننا وبينا الفِرق المناوئة لنا ممن ينتسبون إلى أهل السنة كـ: (الإخوان) و(السرورية) و(الحسنيين) و(القطبيين) و(أصحاب الحزب الجديد)، ونحو هؤلاء من حيث يشعر الشيخ محمد أو لا يشعر.
هذا تقويم مجمل لما تضمنه كتاب "الإبانة.." ونأمل من أخينا الشيخ الفاضل محمد الإمام –حفظه الله- أن ينظر في كتابه هذا بتقويم له مفصّل بما لا يحتاج إلى أن يرشده إلى تفاصيل ذلك غيره وجزاه الله خيرًا.
 
حرر في عصر
يوم الخميس 26 رجب 1431 هـ