الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ -
المقالات

الرد على القرضاوي وأمثاله إنكارهم رجم الزاني المحصن

2016/11/25

 

 

 

الرد على القرضاوي وأمثاله إنكارهم رجم الزاني المحصن

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:

فقد سمعت كلمة صوتية تعزى في بعض الصحف أن قناة الحوار الفضائية  بثته ليوسف القرضاوي نقل فيها عن المسمى أبي زهراء أنه ينكر رجم الزاني المحصن، وأنه كان كاتما لذلك عشرين سنة، وأنه الآن أفشاه وأبان القرضاوي بأنه يميل إلى هذا الرأي، وأكده بأنه كتب فيما كتب أن الإسلام دين الرحمة، وشرائعه ليست بهذا القسوة والشدة، وأن ما جاء من الأدلة في رجم النبي ﷺ ليس حدا، وإنما هو تعزير.

قال: (والتعزير ذا الآن صعب لا يقبل التعزير ذا الآن).

وهذه كلمة شنيعة أعرب فيها وفي أمثالها عن زيغه بتصديه لرد حكم عديد من أدلة الكتاب والسنة التي قام عليها إجماع الأمة، فرأيت من المهم بيان شؤم هذه الكلمة، وعظيم ضررها على قائلها، مذكراً بقول النبي ﷺ «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» أخرجه البخاري (6478) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولعل الله أن يبصر بذلك من قد يخاف عليه الافتتان بتلك الأفكار السيئة.

فأقول وبالله التوفيق:

اعلم أيها المسلم أن الحدود الشرعية كلها رحمة من الله عز وجل بالعباد، وحياة لهم، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:179] وصيانة لأعراضهم وأنسابهم، وحقنا لدمائهم، وحفظا لأموالهم، وتمكينا لأمنهم.

X
 
by DNSUnlocker
 
 
 
 
X
by DNSUnlocker
 
 
 
 
 
X
by DNSUnlocker
 
 
 
 
 
X
by DNSUnlocker
 
 
 
 
 
 

فهي من أعظم مصالح العباد، في المعاش والمعاد، وبها يرتدع أهل الشر والفساد، ويأمن ويطمئن أهل الصلاح والسداد.

فمنافع ذلك على العباد في دينهم ودنياهم عظيمة، وقد جاء من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدٌّ يُعْمَلُ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِهِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلَاثِينَ صَبَاحًا»

أخرجه النسائي (4904) ابن ماجة (2538) وأحمد (2/402) وابن الجارود في المنقى (801) وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة (231) وحسنه قبله المنذري والعراقي، والسيوطي، والمناوي وغيرهم.

قال السندي رحمه الله في حاشيته على النسائي: قوله: (خير لأهل الأَرْض) أَي أَكثر بركَة فِي الرزق وَغَيره من الثِّمَار والأنهار من أَن يمطروا.

X
 
by DNSUnlocker
 
 
 
 
 

قلت: وهذا الحديث يندرج تحت قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف 96].

وقوله عن أهل الكتاب: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: 66].

ومن أبرك شيء على الأمة إقامتها لحدود الله في أرضه؛ فإن الناس إذا تجرأوا على حدود الله أصابهم الله بعقاب من عنده، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى: 30]

وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].

X
 
by DNSUnlocker
 
 
 
 
 

وثبت عند ابن ماجة (4019) والحاكم في المستدرك (4/540) وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يَعْمَلُوا بِهَا إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا الزَّكَاةَ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ مَنْ غَيْرِهِمْ وَأَخَذُوا بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَلْقَى اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ». وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع وانظر الصحيحة (106).

وقد تضمن هذا الحديث ذكر أعداد من المصائب يصاب بها الأمة جراء إفتئاتهم  على بعض أحكام الله وحدوده.

وكما أن إقامة الحدود نافعة للأحياء فهي أيضا نافعة نفعا عظيما للأموات المحدودين بتكفير ذنوبهم؛ لحديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى ، فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَصَبْتُ حَدًّا ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا ، فَقَالَ : أَحْسِنْ إِلَيْهَا ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا ، فَفَعَلَ ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللهِ وَقَدْ زَنَتْ ؟ فَقَالَ : لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى  أخرجه مسلم (1696).

وبوب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باب الحدود كفارة وساق برقم: (6784) ومسلم في صحيحه (1709) حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ.

وثبت بهذا اللفظ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخرجه الترمذي (2625) وهو حديث صحيح.

قال الحافظ في الفتح (6784): وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَفَعَهُ مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ نَحْوُ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَفِيهِ فَمَنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ نَحْوُهُ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ.

قال القرطبي في المفهم: هذا حجة واضحة لجمهور العلماء على أن الحدود كفارات، فمن قتل فاقتص منه لم يبق عليه طلبة في الآخرة؛ لأن الكفارات ماحية للذنوب ومصيرة لصاحبها كأن ذنبه لم يكن. اهـ

وقد ورد حديث من حديث أبي هريرة مرفوعا «لَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا»، وهو حديث ضعيف؛ قال البخاري في تاريخه الكبير (1/152) ونقله عنه البيهقي في الكبرى (8/239) رَوَاهُ هِشَامٌ الصَّنْعَانِىُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ مُرْسَلاً. قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ وَلاَ يَثْبُتُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ لأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ :« الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ». اهـ

وقال ابن رجب في الفتح (1/73): وعلى تقدير صحته، فيحتمل أن يكون النبي ﷺ قال ذلك قبل أن يعلمه -أي أن الحدود كفارة- ثم علمه فأخبر به جزما.

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (5/286) لَكِنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ أَصَحُّ إِسْنَادًا. اهـ

وقد نبه أهل العلم رحمهم الله على أهمية العقوبات الشرعية، وأنها نعمة ورحمة من الله تعالى لعباده:

قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى الكبرى (4/593) العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده ، فهي صادرة عن رحمة الخلق ، وإرادة الإحسان إليهم ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم ، والرحمة لهم ، كما يقصد الوالد تأديب ولده ، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض ،

وقال ابن القيم في اعلام الموقعين (2/139): الحكمة في شرع الحدود:

فكان من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان الأعراض والأموال كالقتل والجراح والقذف والسرقة فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل ولا في الزنا الخصاء ولا في السرقة إعدام النفس وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وعدله لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان ويقتنع كل إنسان بما أتاه مالكه وخالقه فلا يطمع في استلاب غير حقه.

وسأل سائل الإمام ابن باز رحمه الله كما في مجموع فتاواه (22/399) فقال: حكمت إحدى المحاكم الشرعية في مدينة تعز بالجمهورية العربية اليمنية برجم امرأة بسبب الزنا، فكان بعض الناس يتردد بالرجم، وحجتهم أنهم يقولون: إنه يتوجب على الراجم شروط: أن يكون الراجم بدون خطيئة، وكلام كثير قيل في هذا، أفيدونا عن ذلك؟ جزاكم الله خيرا.

فأجاب: لقد سرني كثيرا حكم المحكمة بتعز برجم الزانية المحصنة، لما في ذلك من إقامة حد الله الذي أهملته غالب الدول الإسلامية، فجزى الله المحكمة خيرا، ووفق حكومة اليمن وسائر الحكومات الإسلامية للحكم بشريعة الله بين عباده في الحدود وغيرها، ولا شك أن في حكمهم بشريعة الله صلاح أمرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وينبغي للمسلمين التعاون في هذا، ومن شارك في رجم الزاني المحصن فهو مأجور، ولا ينبغي لأحد التحرج في ذلك إذا صدر الحكم الشرعي بالرجم، وقد أمر النبي ﷺ الصحابة برجم ماعز الأسلمي واليهوديين والغامدية، وغيرهم، فبادر الصحابة إلى ذلك رضي الله عنهم، ووفق المسلمين السير على منهاجهم في الحدود وغيرها.

ولا يشترط في المشارك في الرجم أن يكون معصوما أو سليما من السيئات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشترط ذلك، ولا يجوز لأحد من الناس أن يشترط شرطا لا دليل عليه من كتاب الله سبحانه ولا من سنة رسوله ﷺ. اهـ

فتأمل أيها المسلم في محاسن هذه الشريعة العظيمة، وما في أحكامها وحدودها من الحكم والمنافع العميمة، لأنها أحكام رب العالمين، العالم بعباده وبمصالحهم ومضارهم في الدنيا والدين، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك:14].

فهو سبحانه الذي شرع هذه الأحكام زجرا عن اقتراف تلك الفواحش والآثام.

وتأمل عمق فهم أئمة هذا الدين، وحرصهم على مرضاة رب العالمين، وحبهم الخير والنفع والصيانة للمسلمين، محذرين عقوبة الله على سلوك تلك المسالك والتعرض لتلك المهالك، التي دل عليها قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].

وكفى بتلك الأقوال التي فاه بها القرضاوي مشاقة لرب العالمين، ونبيه الأمين، وسائر المسلمين، على أن حد الزاني المحصن الرجم.

والقرضاوي وصاحبه يدفعان ذلك بشدة.

والقرضاوي ينكر كونه حدا شرعيا، ويقول لا يُقبل التعزير ذا الآن، وأن هذه قسوة، وشدة وغير ذلك من الطعون في حكم الله وشرعه.

وقد صح عن ابن عُمر رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: مَن حَالت شفَاعَتُهُ دون حَدٍّ من حُدودِ الله، فقد ضادَّ الله. أخرجه أبو داود (3597) وغيره.

فإذا كانت الشفاعة المفوتة للحد مضادة لله في حكمه؛ فإن إنكار هذا الحد من أعلى مراتب المضادة والمشاقة لله عز وجل في حكمه والعياذ بالله.

وإذا كان بنوا إسرائيل هلكوا بذلك فلماذا نحن نستجلب ما هلكوا به ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337).

وفي الصحيحين: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» أخرجه البخاري (3475) ومسلم (1688).

فإذا كان ذلك في تعطيل حد من الحدود جزئيا على صنف من الناس مع الاعتراف بأصل شرعيته كان سبب هلاك تلك الأمم قبلنا.

فكيف بما يجره هؤلاء العقلانيون من الويل على الأمة بتعطيل بعض الحدود كليا، مع جحود شرعية ذلك الثابتة بالكتاب والسنة، فهذه لا شك أنها دعوة أشأم على المسلمين وأشنع مما جلبه يهود على أنفسهم وغيرهم بسبب العطف المزعوم على أشرافهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

وليست الأمة المحمدية مقلدون لليهود في ذلك كما يزعم هؤلاء، بل هذه من شريعة المسلمين، وعليها أدلتهم، وإجماعهم، وكون ذلك نزل على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام في التوراة، فاليهود كتموه وأعرضوا عنه ولم يعملوا به وأماتوه؛ كما دل عليه ما أخرجه البخاري (7543): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى المَرْأَةِ، يَقِيهَا الحِجَارَةَ. وأخرجه مسلم (1699).

وأخرج بعده (1700) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ» قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ، وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ»، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [المائدة: 41] إِلَى قَوْلِهِ {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41]، يَقُولُ: ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا.

ففي هذا أن النبي ﷺ حكم على اليهوديين بما أنزل الله، كما أمره ربه عز وجل بقوله: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49].

وتمرد القرضاوي وسلفه في ذلك على حكم الله وحدوده نظير تمرد اليهود قبلهم على حكم الله وحدوده التي أنزلها الله على نبيه موسى عليه الصلاة والسلام في التوراة ولا فرق، فهم أحرى بمشابهة اليهود في ذلك حذوا القذة بالقذة.

وكما أن النبي ﷺ قررهم بما في التوراة، وحكم عليهم به أنزل الله فيها، فهو كذلك حكم عليهم ﷺ بما أنزل عليه في القرآن الكريم، وهذا يدل على أن هذا الحد كما أنه مأمور به في هذه الملة، فهو مأمور به أيضا في الملل الماضية، ويؤيد ذلك أنه ﷺ حكم عليهم بما أنزل الله عليه: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَقَالُوا لِي عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا» فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا رواه البخاري (2695) ومسلم (1698).

فتأمل طلبهم للقضاء بينهم بكتاب الله وتأكيده ذلك بقوله: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ» وفيه رجم الزانية المحصنة.

ومما يدل على أن النبي ﷺ قضى بينهم بكتاب الله القرآن قول عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه في خطبة الجمعة على رؤوس المهاجرين والأنصار: إِنَّ اللَّهَ قد بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عليه الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عليه آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا فَرَجَمَ رسول اللَّهِ ﷺ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إن طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ ما نَجِدُ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا الله وَإِنَّ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ على من زَنَى إذا أَحْصَنَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أو كان الْحَبَلُ أو الِاعْتِرَافُ اتفق عليه أخرجه البخاري (6830) ومسلم (1691).قال ابن الجوزي في كشف المشكل: فمعنى قول عمر: فيضلوا ـ أن الإجماع انعقد على بقاء حكم ذلك

اللفظ المرفوع من آية الرجم، وتركُ الإجماع ضلال. اهـ

وفي رواية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَذَكَرَ الرَّجْمَ فَقَالَ لا تُخْدَعُنَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ وَلَوْلا أَنْ يَقُولَ قَائِلُونَ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لَكَتَبْتُهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْمُصْحَفِ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ هُشَيْمٌ مَرَّةً وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَفُلانٌ وَفُلانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا مِنْ بَعْدِهِ أَلا وَإِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ وَبِالدَّجَّالِ وَبِالشَّفَاعَةِ وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَمَا امْتَحَشُوا رواه أحمد.

قال النووي: قَوْله: (فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ آيَة الرَّجْم قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا) أراد بآية الرجم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه.

قلت: وهو حديث ثابت أخرجه ابن ماجة رقم: (2553) وأحمد في المسند (5/183) والنسائي في الكبرى (7145) والدارقطني (2323) والحاكم (4/360) والبيهقي في الكبرى (8/211) وهو في الصحيحة للعلامة الألباني رحمه الله (2913) قال رحمه الله: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وحسنه ابن كثير في أول سورة الأحزاب.

قال النووي: قوله ( فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة ) هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج ومن وافقهم وهذا من كرامات عمر رضي الله عنه وَيَحْتَمِل أَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ جِهَة النَّبِيّ ﷺ. اهـ

قلت: ونحن مؤمنون بأن رسول الله ﷺ مبين لكتاب الله قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44].

وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء: 113] والحكمة هنا السنة عند جمهور المفسرين.

ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4].

ورب العزة سبحانه يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر:7].

ويقول: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب36].

ويقول: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].

فهذه الأدلة وغيرها كثير قاضية بوجوب قبول كل ما ثبت عن رسول الله ﷺ دون التفات إلى تقسيم السنة تقسيما حادثا إلى متواتر يقبل، وآحاد يرد عياذا بالله من ذلك.

قال الحافظ في نزهة النظر: أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ عَلى وُجوبِ العَمَلِ بِكُلِّ مَا صَحَّ، ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ.

وقال ابن القيم في اعلام الموقعين (3/491): وَاَلَّذِي نَدِينُ الله بِهِ وَلَا يَسَعُنَا غَيْرُهُ وهو الْقَصْدُ في هذا الْبَابِ أَنَّ الحديث إذَا صَحَّ عن رسول اللَّهِ ﷺ ولم يَصِحَّ عنه حَدِيثٌ آخَرَ يَنْسَخُهُ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْأُمَّةِ الْأَخْذُ بِحَدِيثِهِ.


 

ومن هذا البيان النبوي المثبت لرجم الزاني المحصن بالحجارة حتى يموت

 

حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ " أخرجه البخاري (6878) ومسلم (1676).

وحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ (( لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَعَلَيْهِ ((الرَّجْم))ُ أَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ أَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلامِهِ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ)) رواه الترمذي (1402) وأبو داود (4504) والنسائي (4068) واللفظ له، وهو حديث صحيح.

وأخرج مُسْلِم وَأَصْحَاب السُّنَن مِنْ حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيّ ﷺ قَالَ: خُذُوا عَنِّي , قَدْ جَعَلَ اللَّه لَهُنَّ سَبِيلاً , وَالْبِكْر بِالْبِكْرِ جَلْد مِائَة وَتَغْرِيب عَام , وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جَلْد مِائَة وَالرَّجْم.

وهذا الجمع بين الجلد والرجم مما فعله النبي ﷺ قبل ثم نسخ الجلد المذكور فيه للزاني المحصن بجملة أحاديث بعده ساقها الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وبعدم الجمع بين الجلد والرجم قال جمهور العلماء، وخالف جمع من الأئمة فقالوا بالجمع بينهما وعدم النسخ.

والراجح نسخ الجمع بينهما كما قال الجمهور، والاكتفاء في حق الزاني المحصن بالرجم؛ لأنه آخر الأمرين من رسول الله ﷺ كما في الناسخ والمنسوخ للحازمي وغيره.

ونسخ الجلد ليس مؤثرا على حكم رجم المحصن من أي وجه من الوجوه.

وقوله في هذا الحديث: «خذوا عني» أمر يقتضي الوجوب، ويترتب على مخالفته الفتنة والعذاب الأليم قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور: 63].

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية وَقَوْلُهُ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ أَيْ: عَنْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سبيله هو وَمِنْهَاجُهُ وَطَرِيقَتُهُ وَسُنَّتُهُ وَشَرِيعَتُهُ، فَتُوزَنُ الْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ بِأَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ، فَمَا وَافَقَ ذَلِكَ قُبِل، وَمَا خَالَفَهُ فَهُوَ مَرْدُود عَلَى قَائِلِهِ وَفَاعِلِهِ، كَائِنًا مَا كَانَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ».

أَيْ: فَلْيَحْذَرْ وليخْشَ مَنْ خَالَفَ شَرِيعَةَ الرَّسُولِ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ أَيْ: فِي قُلُوبِهِمْ، مِنْ كُفْرٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ بِدْعَةٍ، ﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا، بِقَتْلٍ، أَوْ حَد، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. اهـ

قلت: وقد ثبت أمره وإقامته ﷺ لهذا الحد ثبوتا قطعيا لا يمكن أن ينكر، ولا يجحده إلا من ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، من ذلك مع ما سبق:

حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الأَخِرَ قَدْ زَنَى يَعْنِي نَفْسَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ.. فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ بِكَ جُنُونٌ قَالَ لا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ حَتَّى مَاتَ. رواه البخاري.

وعلى ذلك سار الأمة كما تقدم، وقَالَ الشَّعْبِيَّ: يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ قَدْ ((رَجَمْتُهَا)) بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ  رواه البخاري.

وأخرج البخاري (6813) ومسلم (4444) عَنِ الشَّيْبَانِيِّ: سَأَلتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: " هَلْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: قَبْلَ سُورَةِ النُّورِ أَمْ بَعْدُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي.

وقد لجلج القرضاوي حول هذا الحديث بكلام غير مبين،

وجاء في فتاوى الزرقاء ص: (393) تقديم القرضاوي وقال: كنت مع شيخنا العلامة الزرقاء في ندوة التشريع الإسلامي بمدينة البيضاء في ليبيا واستعمت معه إلى العلامة أبي زهرة في رأيه في الرجم الذي كتمه عشرين سنة ثم باح به وردود المشاركين في الندوة عليه وقد ناقشت شيخنا أبا زهرة هناك وذكرت له توجيه الحكم على أنه تعزير.

 ولكن أبا زهرة رفض ذلك وقال :إن هذه عقوبة يهودية في الأصل وقد نسخت بدين الرحمة.

 وذكرت هذا التوجيه لشيخنا الزرقا واستحسنه وقال لي بأنه جدير بالنظر.

والمهم أني والشيخ متقفان تماما في هذه الوجهة فالرجم مع الجلد كالتغريب مع الجلد، وإن لم يقل بذلك أحد من الفقهاء ولكنه في رأيي اجتهاد وجيه. ا.هـ

وأقول: إن القول بأن حكم الرجم منسوخ بسورة النور، التي فيها جلد الزاني والزانية البكرين بقوله: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2].

وقد حام صاحب المقال حول ذلك، ومما قاله في أثناء كلامه أن هذا العذاب يكفي، أي أن المحصن ليس عليه إلا الجلد ويكفيه.

قلت: أما الحديث فقد قال الحافظ في الفتح: قَوْلُهُ لَا أَدْرِي فِيهِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلَ قَدْ تَخْفَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ وَأَنَّ الْجَوَابَ مِنَ الْفَاضِلِ بِلَا أَدْرِي لَا عَيْبَ عَلَيْهِ فِيهِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى تَحَرِّيهِ وَتَثَبُّتِهِ فَيُمْدَحُ بِهِ.

وقال عند حديث: (6813): قَوْلُهُ: لَا أَدْرِي يَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرَّجْمَ وَقَعَ بَعْدَ سُورَةِ النُّورِ لِأَنَّ نُزُولَهَا كَانَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالرَّجْمُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ حَضَرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا أسلم سنة سبع وبن عَبَّاسٍ إِنَّمَا جَاءَ مَعَ أُمِّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعٍ. اهـ

وأما أنه يكتفى في حد الزاني المحصن بالجلد فهذا قول بدّل فيه صاحبه حكم الله باستحسانه ورأيه سواء في قوله أنه تعزير وليس بحد، أو قوله: أن ما أبانه الله في حد البكرين أنه يجلد كل واحد منهما مائة جلدة.

فالله قد جعل لكل منهما حدا يناسب جرمه؛ فجعل للبكر حد الجلد، وجعل للمحصن الثيب حد الرجم، وتغيير أحكام الله والتلاعب بها من أفعال الجاهلية قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 37].

والله عزوجل هو الذي شرع أحكامه لخلقه، وليس العبد مشرعا لنفسه ولا لغيره قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * نَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية: 18-20].

وقال تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الشورى:13].

وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى:21].

وقال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [يوسف: 40].

والقول بإلغاء هذا الحد البالغ الأهمية أو غيره من حدود الله لا قائل به من المؤمنين، ولا سلف لقائله هذا إلا من أنحس الناس على أهل القبلة، وأشد الناس فتنة ونكاية بالإسلام وأهله ممن يدعونه؛ وهم الخوارج، وبعض أفراخهم المعتزلة العقلانين الذين طال اعتداؤهم شريعة الله وكتابه وأسمائه وصفاته، وإجماع المسلمين.

قال القرطبي في المفهم (7/216): إذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع المسلمين ، ولا التفات لانكار الخوارجِ والنّظَّامِ، الرَّجْمَ ؛ إمَّا لأنهم ليسوا بمسلمين عند من يكفِّرهم ، وإما لأنَّهم لا يعتد بخلافهم ؛ لظهور بدعتهم وفسقهم على ما قرَّرنا في الأصول.

وقال النووي عند حديث (3199) وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب جَلْد الزَّانِي الْبِكْر مِائَة , وَرَجْم الْمُحْصَن وَهُوَ الثَّيِّب , وَلَمْ يُخَالِف فِي هَذَا أَحَد مِنْ أَهْل الْقِبْلَة , إِلا مَا حَكَى الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره عَنْ الْخَوَارِج وَبَعْض الْمُعْتَزِلَة , كَالنَّظَّامِ وَأَصْحَابه , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالرَّجْمِ. ا.هـ

ونقل ابن عبد البر في الاستذكار (7/478): الإجماع على ذلك ثم قال:

وأما اهل البدع والخوارج منهم ومن جرى مجراهم من المعتزلة فانهم لا يرون الرجم على زان محصن ولا غير محصن ولا يرون على الزناة الا الجلد وليس عند احد من اهل العلم ممن يعرج على قولهم ولا يعدون خلافا.

وساق عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ايها الناس ان الرجم حق فلا تخدعن عنه فان رسول الله قد رجم وكذلك ابو بكر ورجمنا بعدهما وسيكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم وبالدجال وبطلوع الشمس من مغربها وبعذاب القبر وبالشفاعة وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا

 قال ابو عمر: الخوارج والمعتزلة يكذبون بهذا كله عصمنا الله من الضلال برحمته. اهـ

وقال ابن المنذر في كتابه الإجماع (112): وأجمعوا على أن الحر إذا تزوج تزويجاً صحيحاً، ووطئها في الفرج، أنه محصن يجب عليهما الرجم إذا زنيا.

وقال ابن بطال في شرح البخاري (8/431): فالرجم ثابت بسنة رسول الله ﷺ، وبفعل الخلفاء الراشدين، وباتفاق أئمة أهل العلم؛ منهم مالك بن أنس في أهل المدينة، والأوزاعي في أهل الشام، والثورى وجماعة أهل العراق، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور. ودفع الخوارج الرجم والمعتزلة واعتلوا بأن الرجم ليس فى كتاب الله تعالى وما يلزمهم من اتباع كتاب الله مثله يلزمهم من اتباع سنة رسول الله ﷺ لقوله تعالى : ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ [ الحشر: 7 ] فلا معنى لقول من خالف السنة وإجماع الصحابة واتفاق أئمة  الفتوى ولا يعدون خلافًا.

وقال ابن حزم في المحلى (11/231): اتَّفَقُوا كلهم حَاشَ من لاَ يُعْتَدُّ بِهِ بِلاَ خِلاَفٍ وَلَيْسَ هُمْ عِنْدَنَا من الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا إنَّ على الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ إذَا زَنَيَا وَهُمَا مُحْصَنَانِ الرَّجْمَ حتى يَمُوتَا.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2/434) فَأَمَّا الثُّيَّبُ الْأَحْرَارُ الْمُحْصَنُونَ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ حَدَّهُمُ الرَّجْمُ إِلَّا فِرْقَةً مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ حَدَّ كُلِّ زَانٍ الْجَلْدُ.

وقال ابن قدامة في المغني (9/35): وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا إلَّا الْخَوَارِجَ.

وقال العيني في عمدة القاري (24/41): اسْتِحْقَاق الزَّانِي الْمُحصن للْقَتْل وَهُوَ الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ، وَأجْمع الْمُسلمُونَ على ذَلِك.

قال الجصاص في أحكام القرآن (5/105) وقد أنكرت طائفة شاذة لا تعد خلافا الرجم وهم الخوارج وقد ثبت الرجم عن النبي ﷺ بفعل النبي ﷺ وبنقل الكافة والخبر الشائع المستفيض الذي لا مساغ للشك فيه وأجمعت الأمة عليه فروى الرجم أبو بكر وعمر وعلي وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وزيد بن خالد في آخرين من الصحابة..

والحاصل: أن منكري ذلك على خطر عظيم:

قال القاضي عياض رحمه الله في الشفا (2/238): وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب، أو خص حديثاً مجمعاً على نقله مقطوعاً به، مجمعاً على حمله على ظاهره ، كتكفير الخوارج بإبطال الرجم. اهـ

وقال ابن حزم في طوق الحمامة (287) وقد أجمع المسلمون إجماعاً لا ينقضه إلا ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت.

وقال الزجاج في معاني القرآن (2/178): وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ أي من زعم أن حكماً من أحكام اللَّه التي أتَتْ بها الأنبياءُ عليهم السلام باطل فهو كافر، أجمعت الفقهاءَ أن من قال إِن المحصَنَين لا يجب أن يرجما إذا زنيا وكانا حُرَّين كافِرٌ، وإنما كفر من رد حكماً من أَحكام النبي ﷺ لأنه مكذِبٌ له، ومن كذب النبي فهو كافر. اهـ

وكذا قال الأزهري في تهذيب اللغة (10/112).

وكذا قال النحاس في معاني القرآن (2/315): وقد أجمعت الفقهاء على أنه من قال لا يجب الرجم على من زنى وهو محصن أنه كافر. اهـ وكذا قال ابن منظور في لسان العرب (5/145).

هذا ما قصدناه من الرد على ما فاه به القرضاوي في تلك الكلمة، ودونه في فتاوى الزرقاء، التي نادى بها على نفسه أنه ممن تقدم ذكرهم من الأهوائيين المنكرين لذلك.

وصدق رسول الله ﷺ القائل: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فما تَعَارَفَ منها ائْتَلَفَ وما تَنَاكَرَ منها اخْتَلَفَ».

وجاء عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: ما أسر عبد بسريرة إلا رداه الله رداء مثلها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر أخرجه أبو داوداد في الزهد (100).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة (355): ولهذا جاء عن عثمان أو غيره أنه قال: ما أسر أحد بسريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه. اهـ

ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وكتبه أبو عبد الرحمن

يحيى بن علي الحجوري

في مكة المكرمة حرسها الله

بتاريخ

 

24 صفر/ 1438هـ

 

 

 

حمل المقال بصيغة  pdf

 

من هنا