الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ -
الصوتيات

التبيين لوجوب تربية البنين

02-04-2009 | عدد المشاهدات 9680 | عدد التنزيلات 2257

ملاحظة قد طبعت هذه الخطبة في رسالة لدى دار الإمام أحمد بمصر. بمزيد عناية

[التبيين لوجوب تربية البنين(103)]

خطبة جمعة بتاريخ: (28 رجب 1426هـ)

(للشيخ العلامة المحدث: أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله تعالى-)

=========================

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن نعم الله تتجدد وآلاءه على العباد تتردد، وإن ذكر نعم الله سبحانه وتعالى، وذكر آلاء الله سبحانه وتعالى تقتضي المزيد والفلاح: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[إبراهيم:7]، ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الأعراف:69]، نعم الله سبحانه وتعالى على عباده كثيرة من ليل ونهار، وسمع وبصر، ومال وولد، وغير ذلك من النعم التي لا يحصيها إلا الله عز وجل، قال الله عز وجل: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾[إبراهيم:34]، وكل النعم من الله عز وجل: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾[النحل:53].

وإن من أعظم النعم نعمة الولد التي امتن الله سبحانه وتعالى بها على عباده، قال الله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾[النحل:72]، وهذه النعمة تقتضي الشكر، فقال سبحانه: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[المائدة:6].

وقال عز وجل: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾[الشورى:49-50]، فالولد هبة من الله يهبه لمن يشاء، منهم: من يهب له إناثاً، ومنهم من يهب له ذكوراً، ومنهم من يهب له الصنفين –الذكور والإناث- ومنهم من يجعله عقيماً.

إن الولد يعتبر نعمة ويعتبر زينة للعبد في هذه الحياة الدنيا، قال الله عز وجل: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾[الكهف:46]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾[آل عمران:14]، وروى الترمذي في جامعه بسند ثابت حسن إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا ابن آدم! ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول: أكنت تظن أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: اليوم أنساك كما نسيتني» .

الشاهد من هذا الحديث العظيم: امتنان الله سبحانه وتعالى على عبده يوم القيامة: أنه رزقه المال والولد، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ * ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾[المدثر:1-17].. الآيات.

امتن الله سبحانه وتعالى على ذلك الذي ذكر الله في هذه الآية: أنه رزقه مالاً ممدوداً وبنين حاضرين يأمرهم وينهاهم، وينتصر بهم وهم متواجدون عنده، وقوله: (شهوداً) أي: حاضرون عنده تحت طلبه وتحت أمره، وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى امتن بها على ذلك الرجل، وهي أيضاً منة الله على عباده جميعاً.

إن هذه النعمة العظيمة: نعمة طلب الله عز وجل وأمر بشكرها، وإنه ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، والفطرة: هي الإسلام والسنة كما ثبت ذلك من حديث النواس بن سمعان، وفي قول الله عز وجل: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾[الروم:30].

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» ، ولم يقل: (يمسلمانه)؛ لأنه مسلم أصلاً، مولود على الإسلام على الفطرة، كما تولد البهيمة ليس فيها جدعاء، تولد سليمة، وإنما قد يحصل الجدع فيها بعد ولادتها، فكذلك المولود يحصل التغير فيه بعد خروجه من جليسه، فإن الصبي يتغير، ويتأثر بالأسرة فإن كانت أسرته طيبة تأثر بها إن شاء الله، وإن كانت غير ذلك تأثر بها.

وفي حديث عياض بن حمار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما يروي عن ربه عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء» ، والحنيف: هو المقبل على الله المعرض عما سواه «فاجتالتهم الشياطين» أي: حرمت عليهم ما أحل الله، وأحلت لهم ما حرم الله، (اجتالتهم) أبعدتهم عن الحق، وهذا يشمل شياطين الإنس، وشياطين الجن، وقد يكون ذلك الأب، أو تلك الأم، أو ذلك الجليس من الأولاد أو من الجيران أحد الشياطين، الذين يجتالون ذلك الصبي: ﴿شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾[الأنعام:112]، (فاجتالتهم الشياطين).

أيها الناس! إنه يجب على كل مسلم أن يكون راعياً لما استرعاه الله عز وجل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته» ، وما دمت راعياً إن ضيعت من ترعاه عرضت نفسك لعقوبة الله.

ففي الصحيحين من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يسترعيه الله رعية لم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة» ، وفي رواية: «يموت وهو غاش لرعيته إلا لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» .

أمرك ربك سبحانه وتعالى أن تقي نفسك وأهلك النار، والأهل يشمل الولد، والله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[التحريم:6].

وأمرك الله سبحانه وتعالى بالصبر على ذلك قال الله عز وجل في كتابه الكريم آمراً بالصبر: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾[طه:132].

وأثنى الله عز وجل على نبيه إسماعيل: أنه كان يأمر أهله وكان يرعى أهله، وكان يقوم بالعناية بهم: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾[مريم:54] .. إلى قوله: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾[مريم:55]، فأثنى الله عليه: أنه كان راعياً حسن رعاية لأهله: يأمر أهله بالصلاة والزكاة، يأمرهم بطاعة الله.

إن هذه الرعاية هي التي أمر الله أنبياءه بها، وما من نبي إلا وقد بذل وسعه في تربية أبناءه وسائر الناس: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾[البقرة:132-133]، هذه وصية إمام الحنفاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهكذا سائر الأنبياء.

ونوح عليه الصلاة والسلام يقول لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾[هود:42]، فينصحه بمجالسة الصالحين، ويحذره عن مجالسة الكافرين المفسدين، أبى نصيحة أبيه، قال: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾[هود:43-46].. الآيات.

شاهدنا: أنه بذل وسعه مع ولده في أن يجالس الصالحين وحذره من مجالسة الكافرين، وحذره عن أن يكون مع الكافرين المفسدين، هذا شأن الأنبياء: العناية بأبنائهم.

ولما قال إخوة يوسف ليوسف: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ..﴾[يوسف:11-13]، يخاف على ولده من أن يكون مع من لا يرعاه: ﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾[يوسف:13-14]، وذكر الله سبحانه وتعالى قصة يوسف إلى آخرها.. وفيها من الحزن على ولده وتسبب ذلك الحزن في أن عمي يعقوب عليه الصلاة والسلام: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾[يوسف:84] على ولده.

إن هذا الولد يعتبر فلذة كبدك، هذا الولد لا تضيعه، فإن أنت رعيته الرعاية الحسنة انتفعت به في الدنيا والآخرة، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ، هذا الولد هو الذي تنتفع بدعائه، فقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل لترفع له الدرجة في الجنة فيقول: بما هذه؟! فيقول: بدعاء ولدك لك» ، «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث» ، فمعنى ذلك: أن الولد من عمل أبيه ومن كسب أبيه، هذا الولد من كسبه كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، اكتسب عملاً صالحاً في ولدك، اكتسب عملاً صالحاً في دعائك له، فإن هذا شأن الأنبياء، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: ﴿.. رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾[إبراهيم:35].

وهكذا: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأحقاف:15]، هذا الرجل الصالح أثنى الله سبحانه وتعالى عليه، أنه يتوسل إلى الله تعالى بتوبته وبعمله الصالح: أن يرزقه الذرية الطيبة وأن يصلح ذريته، وقد أثنى الله على من يدعو لأولاده بالصلاح: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[الفرقان:74]، في سياق الثناء على هذا الصنف الطيب.

فلا بد من السعي في صلاح الأولاد بكل ما يستطيعه الإنسان من تربية ودعاء وحث وملازمة ومراقبة وتذكير بالله سبحانه وتعالى حتى يكون ذلك الولد خيراً لك في الدنيا والأخرى.

أيها الناس! إن التفريط في الأولاد جرم عظيم! خيانة .. خيانة أن يفرط الإنسان في ولده حتى يصير ضائعاً من الضائعين.. لاعباً من اللاعبين، وربما صار فاجراً من سائر الفجرة، ويلحقك الذنب والويل؛ بسبب المرعي وتلك الأمانة التي ضيعتها، وإن تضييع الأمانة شأن المنافق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان ..» ، من هذه الأربع: إذا اؤتمن خان.

فحاول في صلاح ولدك بتعليمه العقيدة الصحيحة من أول يوم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رزقه الله ابنتين فأحسن إليهن وأدبهن -وفي رواية: وزوجهن- كنت أنا وهو في الجنة كهاتين» ، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام: أنه علم عدداً من الصبيان، قال جندب بن عبد الله رضي الله عنه: «أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان -علمهم الإيمان- ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً» .

وعلم ابن عباس العقيدة والتوكل على الله والإيمان بالقدر والشجاعة: «يا غلام إني أعلمك كلمات» هذا هو الشأن في الأولاد، تعليم ميسر مختصر بدون تثقيل، وبدون إتعاب، وعلى قدر فهمه وذاكرته كلمات مختصرات ميسرة.. كلمات مفهومة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عقيدة ثابتة: «احفظ الله يحفظك» ، ويا لهذه الموعظة من عظم.. موعظة عظيمة! يحثه على حفظ حدود الله وشعائر الله ودين الله: «احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» .

هذا الحديث شرحه بعض أهل العلم في جزء مستقل بما فيه من العقيدة والتوكل والثقة بالله، والإيمان بالقدر، وحفظ حدود الله، وتعليم الصغار والعناية بهم.. وغير ذلك من الفوائد العلمية في هذا الحديث العظيم.

هذا كان درساً من النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس، درساً عظيماً شمل التوحيد، وشمل شعائر الدين قاطبة، «احفظ الله يحفظك» رسول الله صلى الله عليه وسلم حثنا على تعليم الأولاد، حتى كان هذا ديدن الصحابة: العناية بتعليم أبنائهم، فقد ثبت من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر يوماً إلى السماء، فقال: هذا أوان العلم أن يرفع، فقال رجل يقال له: زياد بن لبيد: يا رسول الله! أيرفع العلم وفينا كتاب الله، وقد علمناه أبناءنا ونساءنا؟ فقال: إن كنت لأظنك من أفقه أهل المدينة، هؤلاء أهل الكتاب ما أغنى عنهم ذلك؟ -أي: لما لم يعملوا به، ولما لم ينشروه، ارتفع العلم منهم والقرآن بين ظهرانيهم-» ، حتى وإن حصل تعليم للصبي ولم يحصل له أيضاً إعانة على العمل، وتعليم للعمل وأن يعمل به، فإنه قد لا يهتم به كثيراً.

وعكرمة رحمة الله عليه يقول: كان ابن عباس رضي الله عنه يجعل الأكبال في قدمي يعلمني القرآن والفرائض، فالصبي المتمرد يضبط حتى يتعلم دين الله كما فعل ابن عباس رضي الله عنه، وليس معناه أن كان متمرداً، لكن الصغر له شأنه.

الشاهد من ذلك عباد الله! الرعاية.. الرعاية، تعليم الصبي للوضوء، فقد بات ابن عباس رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند خالته ميمونة، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل نظر إلى صلاته ثم قام وتوضأ كما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وقام عن شماله فأداره النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه، أخذ بأذنه وأدار من خلفه، وصلى ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل، ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة في قيام الليل ابن عباس من نقلة قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الليل ابن عباس كما في الصحيح.

هكذا تعليمه الصلاة، وتعليمه الصفوف، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم زارهم قال: (فقدمت له جدتي مليكة طعاماً فأكل ثم قال: قوموا فلأصلِّ لكم، فقمت إلى بساط قد اسود من طول ما لبس فنضحته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وصففت أنا والغلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والعجوز خلفنا).

شاهدنا: (صففت أنا) وابن عباس رضي الله عنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام قد ناهز الاحتلام، قال: فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم قد صف الناس، وأنا راكب على حمار أتان، فأرسلت الحمار ترتع ثم مشيت في الصف أي: فصف مع الناس، مشى أرسل الحمار ومشى في الصف، وصف مع الناس.

تعلم وتأديب من رسول الله صلى الله عليه وسلم استفادة من الصغر، إن الصبي الذي يرى منه النبوض ينبغي أن يشجع على طاعة الله، ولا يعان على الغرور، ولكن يشجع على طاعة الله، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدخل ابن عباس مع أشياخ بدر، قالوا: كيف تدخل هذا ولنا أبناء مثله! قال: أنه من حيث علمتم، ثم سألهم عن قول الله عز وجل: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾[النصر:1-3], قالوا: هذه سورة أمرنا الله أن نستغفره ونسبحه إذا فتح علينا، وكل قال قولاً في الآيات، فقال ابن عباس رضي الله عنه: هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم آذنه الله به، فإذا فتح الله عليك فذاك أون أجلك، وذكر له ذلك قال: ما أعلم منها إلا ما تعلم.

شاهدنا: تشجيعه، وقال يحيى ابن سعيد القطان: يا مسدد لولا أننا مشغولون لأتيناك، أي: أن مسدد بن مسرهد كان يأتي يحيى بن سعيد يطلب الحديث عنده، فلما رأى منهم النبوض شجعه بذلك: أنه مشغول، وإلا يكون يأتي إليه يحدثه، لما يرى فيه مما يظنه من حمل الإسلام والدين.

وكان عروة يقول لأبنائه: (يا أبنائي أنكم صغار قوم، يوشك أن تكون كبار قوم).

والأعمش كان يقف مع طلبة العلم الصغار ويعلمهم فقال له بعض الناس: (إن أهل الحديث أحق بك من هؤلاء قال يا مسكين! هؤلاء يحفظون عليك دينك)، أي: أنهم هم الذي سيحملون هذا الدين إن شاء الله إذا صرت كبيراً وشيخاً لا تستطيع أن تقوم به، فسيحمله هؤلاء الرجال.

أيها الناس! تعليم الصبيان أمر مهم جداً، فقد أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت من حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده، وسبرة بن معبد: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبنا عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» , هذه صفات عديدة: يؤدب من الصغر قبل البلوغ على تعلم الصلاة، فإذا وصل إلى العشر ولم يكن قد بلغ يضرب على الصلاة، حتى لا يبلغ وهو متمرد على الصلاة، كيف إذا كان بالغاً وهو تارك الصلاة؟! مثل هذا أشد وأعظم أن يحافظ عليه، وأن يؤمر بالصلاة، وإلا فإنه سيتعود على غير طاعة الله, قال عليه الصلاة والسلام معوداً لنا ما هو للحسن فقط، علمه ذلك الدعاء وهو صبي: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، أنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت» , هذا الدعاء العظيم: فيه تعليم العقيدة, والذكر, والدعاء, والتضرع لله سبحانه وتعالى, فعلم أولادك دعاء الله سبحانه وذكره كما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن، وعلمه العفة من الصغر العفة عن المحارم، إياك إياك أن يكون ولدك يتعود على سرقة، أو يتعود على مساوئ الأخلاق وأنت تسكت على ذلك، فإن هذا سوء رعاية، أو يتعود على أكل حرام شرب الدخان، أكل القات، التلوث بالقاذورات، ثم تسكت على هذا! هذا ليس من هدي رسول الله عليه وسلم.

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «رأى الحسن أكل تمرة -والتمرة طيبة ولكنها من الصدقة- قال: كخٍ كخٍ: أما علمت أنا لا نأكل الصدقة» ، كخٍ كخٍ نهاه عن ذلك ومنعه أمراً منه بالعفة عن شيء حرم على بني هاشم، فكذلك أنت إذا رأيت منه شيئاً، نتناوله من الحرام أو من القاذورات، فإنه الواجب عليك، سواء كان ولدك أو غير ولدك: أن تنهاه عن ذلك المحرم، وأن تعوده على طاعة الله سبحانه وتعالى: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» .

عود ولدك على طاعة الله (كخ كخ فإنا لا نأكل الصدقة) العفة من أول يوم وحفظ السر أيضاً، فإن أنس بن مالك وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صحيح مسلم وجده وهو يلعب مع الصبيان فأرسله لبعض حاجته، فأبطأ على أمه، فلما أبطأ ورجع إليها وعاتبته، أين كنت؟ عاتبته على إبطائه، هذه من الرعاية.

أم سليم عاتبت ولدها على التأخر عن المجيء، فلما أخبرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله لبعض حاجته، قالت: وما حاجته؟ قال: إنه سر، قالت فاحفظ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنس: فلو كنت مخبراً أحداً يا ثابت لأخبرتك، ما أخبر بها ثابت، أخبره بالحديث ولم يخبره بالسر الذي ائتمنه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حال صغره وصباه، ولم يخبر حتى أمه، وأيضاً ثبتته أمه وعودته وربته على حفظ السر.

تعويد الصبيان على الصيام، فقد كانوا يعودونهم على الصيام، ويعطونهم اللعب قبل البلوغ من أجل الصوم، ومن أجل التعود على الصوم، ولما رأى عمر بن الخطاب رجل نشوان أي: شرب الخمر، قال: نشوان في رمضان وصبياننا صائمون!

تعويد الصبيان على الحج: أخذت امرأة صبياً فقالت: «يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم، ولكِ أجرٌ» ، ليس معناه: أن يجزئها عن حجة الإسلام، ولكنه تعويداً له، وأن يرى تلك المشاعر، وأن كذلك يقوم بالعبادات ويشتاق لها ويتعود عليها من الصغر.

هكذا حج سعد بن يزيد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا تعليمه على حلقات العلم والذكر، والتعويد على ذلك، خائن من لا يعلم ولده دين الله عز وجل، وربما عوده على ملاعب الكرة، ربما عوده على الملاكمات والمصارعات وملاعب الكرة، والتلفيزيونات والدشوش، ومجالسات الضائعين، هذه والله خيانة، مجالس العلم، والحث له على ذلك قال بن عمر رضي الله عنه: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «شجرة لا يسقط ورقها وهي تشبه المؤمن أخبروني ما هي, قال: فوقع الناس في شجر البوادي، فوقع في نفسي: أنها النخلة، ولكن في القوم من هو أكبر مني، أي: كان صغيراً، فهاب أن يتكلم، ثم أخبر أباه بعد ذلك فقال: لو قلتها لكان أحب إليّ من كذا وكذا» ، لو قلت ذلك فرحاً منه بنبوض ولده، وذكاء ولده، ولاسيما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تعليم الأولاد الأدب الشرعي، الأدب في الكلام، الأدب في السلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالأطفال فيسلم عليهم، وهذا تأديب منه بحيث يتعود الصبي على رد السلام إذا مر، تأديب من رسول الله صلى الله عليه وسلم للأبناء وتعويد لهم على هذا الأدب النبيل والأمر العظيم، «يمر بالصبيان فيسلم عليهم» .

تعليم الأولاد أدب الطعام: ففي الصحيحين من حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عنده عمر بن أبي سلمة قال: «وكانت يدي تطيش في الصحفة –صبي- فقال: يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك قال عمر بن أبي سلمة : فما زالت تلك طعمتي» أي: أخذت ذلك الأدب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أتجاوزه، فما زالت تلك طعمتي وما زلت آكل على ذلك الأدب الذي أدبني رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثلاث تأديبات في مجلس واحد على مائدة واحدة، (سم الله, وكل بيمينك, وكل مما يليك) الصبي قد يكون إماماً، قد يكون إمام أمة، وهو صبي إذا اعتني به فعمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه: (كان الصحابة يمرون من جانب قريتهم، وكان هناك ماء فينزلون فيه، فأخذ منهم سوراً من القرآن، حفظها من الصحابة رضوان الله عليهم، فلما وفد أبوه على النبي صلى الله عليه وسلم، والتمسوا لهم إماماً يصلي بهم، وجدوا ذلك الصبي أحفظهم وأقرأهم، وأعلمهم بالقرآن، فجعلوه إماماً لهم، وهو صبي عمره سبع سنين، فكان يؤم قومه، وكان إذا سجد انكشفت عورته، فمرت امرأة وقالت: غطوا عنا إست قارئكم، قال: فاشتروا لي إزاراً وكسوني، فقال: فما فرحت بشيء مثل ذلك).

الشاهد من هذا: أنه قد ينبض وهو صغير، ويكون أمام كبار ومشايخ وكهول للعناية به في ذلك الحال، وتعويده: أن لا يكون خلف الإمام إلا إذا كان من أولي الأحلام والنهى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ..» إلى آخر الحديث.

فلا ينبغي أن يكون خلف الإمام مباشرة، الصبي ليس ذلك موقفه، ذلك موقف الحفاظ، ذلك موقف أولي الأحلام والنهى العقلاء، فهذا هو الأدب فيما يتعلق بالأطفال، إلا إذا كان من حفاظ القرآن فهنيئاً له، وإلا فليتنحى، وأبي بن كعب أخذ صبياً من خلف الإمام ثم لما صلى، قال: يا بني، أنه لعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا أن نليه، حتى وإن كان مسارعاً على الصف الأول، لكن لا يستنكف إن رد من ذلك الموضع، فإنه ليس له.

أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم تأديب للأطفال، والعناية بهم من أول يوم: «أما إن أحدكم إذا آتى أهله فقال: باسم الله: اللهم جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتني، فإن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان» ، متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ونبي الله زكريا يدعو الله سبحانه وتعالى أن يرزقه ولداً صالحاً: ﴿كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾[مريم:1-6], ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ[آل عمران:38]، دعا زكريا ربه أن يرزقه ذرية طيبة: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْي﴾[آل عمران:38-39].

كل ذلك حرصاً منه ومن سائر الصالحين على نشأ طيب، نشء طيب يجب أن تسعى في أن تنشئ ولدك نشئاً طيباً، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله» . هذا الشاب الذي نشأ في طاعة الله وفي عبادته من الذين يظلهم الله في ظله، فيجب أن تسعى: أن تكون أنت وولدك وسائر المسلمين كذلك: «ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» ، والحديث في الصحيحين.

يا هول مصيبة هؤلاء الناس الذين عودوا أولادهم على محبة الغربيين ومحبة اليهود والنصارى، والدنيا ومتاعها: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾[النساء:77], إن رسول الله ربى أبناءه، وسائر الأمة والصحابة أبناءه يعتبرون: «أنا لكم بمنزلة الوالد» قال ذلك, فربى أبناءه على العفة، وربى أبناءه أيضاً على حسن الرعاية، وعلى مكارم الأخلاق والدين من الرعاية من رعاية الأطفال، ومن حفظهم، ومن كذلك أيضاً الاهتمام بهم، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة فيما إذا أسقط الجنين، كل ذلك من أسباب التناسل وحفظ نسل هذه الأمة، وتكاثر هذه الأمة والرعاية.

فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة: «أن امرأة ضربت أخرى في بطنها فأسقطت جنينها، فقضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة في ذلك الجنين» (غرة عبد أو أمة) أي: عبد أو أمة مقابل ذلك الجنين لورثته، وأمر بدية تلك المرأة على عاقلتها، فقال رجل يقال له: حمل بن مالك بن نابغة: «يا رسول الله كيف ندِ من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سجع كسجع الكهان» ، أنكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول؛ لأن فيه إبطال حكم شرعي.

وثبت من حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بالفطر للمرأة الحامل أو المرضع، حفاظاً على هذا الولد، وحفاظاً على تناسل الأمة، عكس أصحاب الفطر المنكوسة الذين يحثون على تحديد النسل، والذين يرون تقليص نسل هذه الأمة: ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[التوبة:30], فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله وضع شطر الصلاة للمسافر ووضع الصيام عن الحامل والمرضع» , الحامل إذا خافت على جنينها واجب عليها أن تفطر وبعد ذلك تقضي، والمرضع إذا جاع طفلها واجب عليها أن تفطر وبعد ذلك أن تقضي لحديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه وحديث صحيح حفاظ.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ذا الطفيتين والأبتر من الثعابين، ونهى عن قتل ما عداهما من جنان البيوت قال: «لأن ذا الطفيتين والأبتر يسقطان الحمل ويلتمسان البصر» ، وفي رواية: «ويخطفان البصر» ، فأمر بقتل هذين الذين من أسباب تقليص النسل، وتحديد النسل أو الإضرار بالنسل.

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين: «أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا قالت: يا رسول الله أصبت حداً فأقمه علي، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها ثم قال: إذا وضعت فائتني بها، فأوتي بها بعد أن وضعت والصبي صغير، فأمره أن يأتي بها بعد أن ترضع ولدها، وبعد حين أتت بولدها ومعه كسرة، أي صار يأكل، فأخذ الولد وأعطى من يقوم عليه وأمر بها فرجمت» ، ولم يرجمها وهي حبلى؛ لأن رجمها ذلك يتلف ولدها: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ[الأنعام:95], نعم سبب في إتلاف ولدها، فلم يقم عليها الحد آنذاك.

واتفق أهل العلم: أنه لا يجوز رجم المرأة وهي حامل؛ لأن ذلك ذريعة لإتلاف النسل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه الحديث معقل بن يسار: «أن رجلاً قال: يا رسول الله! أن امرأة كذا وكذا، وذكر من شأنها من حيث دينها أأنكحها لكنها لا تنجب، قال: لا: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» , وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فقيل: هذه أمتك.. ومعهم سبعون ألف ..» الحديث, أنه كاثر بأمته الأمم يوم القيامة، فسائر من يدعو إلى ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبه، وما فاخر به أو ما كاثر به هذا يدعو إلى غير الفطرة السليمة، وإلى غير مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر مشاقاً لرسول الله: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[النساء:115].

الخطبة الثانية:

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فالرحمة الرحمة.. والرفق الرفق.. والرعاية الرعاية للأبناء وللصغار، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل كان يأت بولده وولده يلعب في حجره، ثم تغيب ذلك الرجل فسأل عنه؟ فقالوا: يا رسول الله مات صبيه فلما جاءه قال: «أتحبه؟ قال: يا رسول الله أحبك الله كما أحبه –يعني: أنه يحبه حباً شديداً- فقال: أما ترضى أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وهو بفتح لك» .

فالولد يعتبر نعمة أن مات وأن بقي، أهم شيء أن يكون على طاعة الله، وأن يعود على العقيدة الصحيحة، والعلم النافع وجلساء الخير، وقد قال يونس بن عبيد: والله يا بني لئن أراك تخرج من كذا وكذا.. وذكر أموراً كثيرة من المعاصي أحب إليّ من أن تخرج من عند فلان المبتدع.

احذر على ولدك من جلساء السوء فإنهم يفسدونه.. يفسدون أخلاقه.. يفسدون أقواله.. يفسدون أعماله.. يفسدون حركاته وسكناته.. يفسدون دنياه وأخراه.. إياك إياك! أفتى شيخنا رحمة الله عليه: على أن الرجل إن كان يصلي وهو في الصلاة في داخل الصلاة، وعلم أن ولده خرج مع الأولاد يخشى عليه من الفساد: أنه يجوز له أن يخرج من الصلاة فيلتمس ولده ثم يعود للصلاة، وهذه فتوى عظيمة؛ لأنه إذا صلى وولده لا يدري أين هو؟ فقد لا ينتبه لصلاته ولا يخشع فيها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «إذا حضرت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء» , لأنه إذا صلى وهو يريد العشاء فقد يشغل عن الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان» ، فكيف إذا كان ولدك لا تدري في أي وادي؟ ولا في أي شارع ولا في أي زقاق، ولا في أي مكان، كيف يهنئك النوم.. كيف يهنئك الطعام.. كيف يهنئك السفر.. كيف يهنئك معاشرة أهلك.. إلى غير ذلك مما أنت تجد ألمه في قلبك، هذه سوء رعاية عباد الله، فليتق الله امرؤ في نفسه، فأنه واقف بين يدي الله مسئول عمن استرعاه الله سبحانه وتعالى عليه، علموا أولادكم طاعة الله، وارعوهم، ولئن يرعى الإنسان ولده ويقوم على أولاده، وينشأ أولاده على خير يموت وعينه قارة على تلك الأولاد، خير له من أن يجمع من الأموال الطائلة، الأموال الطائلة من الذهب والفضة أو الشركات، أو أن يكون عسكرياً، أو أن يكون مسئولاً.. أو غير ذلك من مال الدنيا، فأن هذا متاع زائل، هذا متاع زائل، وقد قال عمر بن عبد العزيز حين انتقدوا عليه فقالوا: يا أمير المؤمنين! إنك أصغرت أفواه أولادك عن هذا المال، وأعطيته لغيرهم، فلما دنا من الأجل أو احتضر جمع أولاده فقال يا أبنائي! إن كنتم صالحين فالله يتولى الصالحين، وإن كنتم غير ذلك فلا أحب أن أعينكم بهذا المال على معصية الله، فكان أبناء عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعد ذلك لما رباهم التربية الحسنة، وأوكلهم إلى الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾[النساء:9], كان بعد ذلك أبناؤه من الأثرياء ممن رزقهم الله، وكان أولاد هشام بن عبد الملك وأولاد بني أمية ممن أمدوهم بالأموال، وأكرموهم بالأموال، ولم يكرموهم بالعلم والدين والطاعة، يقترضون من أولاد عمر بن عبد العزيز كانوا بعد ذلك.

احفظ طاعة الله في نفسك وفي ولدك، قال الله: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾[الكهف:82], من رحمة الله عليك أن كنت طائعاً أن الله يحفظ عليك ذريتك وهذه من نعمة الله عليك: أن أولادك يصيرون بعدك صلحاء، فلنتق الله عباد الله في هؤلاء الذين استرعانا الله إياهم، الرعاية الرعاية، الرعاية في الأبناء، في البنات، في الزوجات، الرعاية في أبناء المسلمين، لا يختص ذلك بأولادك فقط: «فمن رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» .

ونسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.

تتمة لموضوع خطبة الجمعة:

الشيخ: هذه تتمة بما يتعلق بخطبة الجمعة يساعدني أخونا عدنان -حفظه الله- يقرؤها عليّ حتى لا أتعب، لأهمية الموضوع ونسأل الله أن يجعله نافعاً.

الملقي: بسم الله الرحمن الرحيم

قال شيخنا حفظه الله تتمة ما يتعلق برعاية الصبيان وأحكامهم.

 

المسألة الأولى: الجمع بين حديث علي رضي الله عنه: «رفع القلم عن ثلاثة.. ومنهم: الصبي حتى يبلغ» ، وبين حديث ابن عباس: «ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر» ما الجمع بينهما؟.

الجواب: الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فكلا الحديثين صحيح، حديث علي في صحيح البخاري معلقاً، وهو وصول مذكور في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين لشيخنا رحمه الله عن علي وعمر رضي الله عنهما، والحديث الأول حديث ابن عباس في صحيح مسلم، وقد ذكر قبل في نفس هذا الموضوع، ونص حديث علي رضي الله عنه: أن عمر رضي الله عنه أراد أن يرجم امرأة مجنونة زنت، فمر علي رضي الله عنه قال: يا أمير المؤمنين ما شأن مجنونة بني فلان؟ ألم تذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق» ؟ قال: نعم، قال فما شأنها؟ قال: لا شيء، فأمر عمر بها فتركت، لم ترجم.

هذا الحديث فيه: أن القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ ليس عليه إثم، حتى وإن اقترف ما يترتب عليه إثم، والحديث الآخر حديث ابن عباس فيه: أنه كتب لذلك الصبي أجرٌ: «ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر» ، والحج يترتب عليه، الأجر: وإنما هي أجرت على تعاونها مع ذلك الصبي بالقيام به، كما ذكر أهل العلم -رحمهم الله-: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ[المائدة:54], القلم مرفوع عنه من حيث أنه لا يكتب عليه الذنب، وإذا حج أجر إن شاء الله، ويكون ذلك الأجر، وإن لم يحسب له في صغره، يحسب له بعد بلوغه ولا يجزئه عن حجة الإسلام بالاتفاق، وعسى أن يكون ذلك من أسباب توفيقه أن يعود على الخير، على الطاعات، هذا هو الجمع، الجمع: أنه ما يؤجر في ذلك الحين -في حال صغره-، القلم مرفوع عنه، لكن يكتب له إذا بلغ ولا يجزئه ذلك عن حجة الإسلام وعسى أن يكون من أسباب توفيقه: تعوده على الخير.

 

الملقي: المسألة الثانية: معنى قول الله تعالى: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾[النور:31]؟

الشيخ: نعم وهذا مما يسأل عنه، كما أن المسألة الأولى من أسباب العناية بالأولاد من حيث الحج بهم وتعويدهم على الخير، كذلك هذه المسألة، ينبغي العناية بالأولاد من حيث كف من كان مميزاً منهم عن النساء، ومن لم يكن مميزاً فلا حرج، فالذي لا يظهر على عورات النساء، (الظهور) بمعنى: الإطلاع، معنى الذي لم يطلع على عورات النساء، على محاسن النساء، سواء رققت قولها، خضعت بقولها أو لم تخضع، كشفت وجهها أولم تكشف، يعني حتى ولو بعض أجزائها، فهو لا يميز بين جميلة وقبيحة، ولا يفرق بين سوداء ولا بيضاء، هذا معنى: ﴿لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾[النور:31]، قال الله: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾[النور:31].

فعلم بذلك مع هذه القرائن: أن الطفل (الذي لم يظهر) أي: لم يطلع، لا يفهمها، لا يدري ما الفرق بين هذا وذا؟ هذا جائز أن يدخل على النساء وما عداه لا يجوز أن يدخل على النساء لا خلوة ولا غير خلوة.

هل لهذا ضابط بسن معلوم؟

ماله ضابط بسن معلوم، فقد تجد صبياً أصغر من آخر وهو يدرك ويميز، ذاك عنده غفلة، فما يميز، والآخر عنده ذكاء فيميز، ويفرق بين القبيحة والجميلة، قبيحة الوجه أو دميمة الوجه والجميلة، يفرق بين هذه وهذه، العبرة: التمييز، نعم.

 

الملقي: المسألة الثالثة: ما الجمع بين حديث ابن عمر قال: «عرضت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربعة عشر سنة فلم يجزني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشر سنة فأجازني» وبين حديث عمير مولى آبي اللحم قال: «شهدت خيبر مع سادتي فكلموا فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بي فقلدت سيفاً، فإذا أنا أجره، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرث المتاع» ، أخرجه أبو داود.

الشيخ: حديث ابن عمر فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للصغار الذين هم دون البلوغ، وكان عمر بن عبد العزيز لما أخبر بهذا الحديث جعله حداً للبلوغ ولعدمه، اعتمد هذا الحديث.

من فوائد هذا الحديث: أن غزوة الخندق كانت في السنة الرابعة كما هو قول الإمام البخاري رحمه الله؛ لأن أحداً كانت في الثالثة، وآنذاك كان عُمْر عبد الله بن عمر مضى من عمره أربعة عشر سنة فلم يؤذن له؛ لأنه لم يبلغ، ومن الحفاظ على الأولاد ورعاية الأبناء وحسن التربية: أن لا يقدم الصغار لقتال المشركين؛ فإنهم لا يتحملون ذلك: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» ، وإنما يقدم المقاتلة، والمقاتلة من كان دون البلوغ، فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر وهكذا استصغر أبو سعيد وجماعة استصغروا في المعارك فلم يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم.

أما حديث عمير مولى آبي اللحم فليس فيه: أنه كان صغيراً لم يبلغ، ولكن فيه كما ذكر الشراح أنه كان قصيراً، وقد يكون الإنسان بالغاً، ولكن لقصره السيف يخط، ولا يشكل على ذلك: أن السيف إذا حمله يخط؛ لأنه صغير، وإنما هو قصير مع توفر البلوغ.

شاهدنا من هذا: أنه يشترط الإذن في قتال الكفار: أن يكون المقاتل بالغاً، وأن الصغير لا يؤذن له، وتتمة لذلك قصة معاذة ومعوذ، فابتدراه كالصقرين، يعني: ليس في الحديث أنهما كانا صغيرين دون البلوغ، وإنما فيه: أنهما غلامان بالغان، وبعض الناس شأنهم أن يكون نحيفاً، حتى قال عبد الرحمن بن عوف : تمنى أن يكون بين أضلاع هذين الغلامين، نعم.

 

الملقي: السؤال: جزاكم الله خيراً، المسألة الرابعة: ما الجمع بين حديث ابن عمر: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان في الحرب» ، وحديث الصعب بن جثامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم «سئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين، فيصاب من نسائهم وذراريهم؟ قال: هم منهم» .

الجواب: نعم، كلاهما متفق عليه، وقد قال النووي رحمه الله.. وبنحوه كذلك أيضاً الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان عمداً وقصداً، مع تميزهم لا يجوز، ولو في دار الحرب، رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة، فنهى عن قتل النساء والصبيان، هذا هو الأصل.

بقي ما إذا اشتبك الجيش، هجموا على بلد لا يتميز فيه النساء والصبيان عن الكبار من المشركين، ولا بد في مثل ذلك الحال من قتل الكبار، ففي مثل هذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هم منهم» أي: في أحكام كثيرة من حيث الجنائز، ومن حيث النكاح، ومن حيث المواريث.. وأمور كثيرة هم منهم، فلهذا يأخذون حكمهم في مثل هذا الحال، أما إذا تميزوا، وصار النساء على حدة، أو استطاعوا قتل الكبار دون الصغار فلا يجوز قتل صغار المشركين ولا نساء المشركين، وبنو قريظة لما حكم فيهم سعد بن معاذ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الله» ، وفي رواية: «بحكم الملك من فوق سبع سماوات» ، وكان حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه: أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، الذرية ما يقتلون، يسبون، وكذا أيضاً النساء ما يقتلن، وهذا حكم الله سبحانه وتعالى بنص هذا الحديث.

 

الملقي: السؤال: المسألة الخامسة: وصايا لقمان لولده؟

الشيخ: وصايا لقمان لولده: هذا من التنبيهات فيما يتعلق بالموضوع، وهي درس عظيم هذه السورة، الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾[لقمان:13] هذه وصية عظيمة مقدمة، نهاه عن الشرك بالله سبحانه؛ لأن الشرك أظلم الظلم، ظلم عظيم، ومعنى قول الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[الأنعام:82]، الظلم هنا: المقصود به الشرك، بنص هذه الآية.

ولقد قال الله عز وجل عنه: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان:13-16]، وهذا فيه بعد حثه على التوحيد، وهكذا ما في الآية من سياق بر الوالدين، وهكذا ما في الآية من تأديبات ربانية فيه: أن لقمان عليه السلام حث ولده على مراقبة الله، أمره بمراقبة الله، وأبان له: أن مثقال حبة من خردل تكون أينما كانت في السماوات أو في الأرض يأتي بها الله، فأين سيذهب الإنسان من الله سبحانه وتعالى، فيجب عليه أن يراقب الله عز وجل على هذا.

عليك أن تزرع في قلب ولدك الخوف من الله ومراقبة الله في السر والعلن، فإن هذه وصية عظيمة أوصى لقمان ولده بها، وهي وصية لسائر الأمة: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾[لقمان:16]، ﴿لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ﴾[سبأ:3]، ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[الأنعام:59]. وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ، وهذا الدليل في سورة لقمان نظير حديث: «احفظ الله يحفظك» ، حديث ابن عباس، «فإن تكن تراه فإنه يراك» ، فعلى المسلم: أن يعود ولده على تقوى الله عز وجل، وما أحسن تلك الأبيات التي قرأها ابن الوردي:

واتقِ الله فتقوى الله ما                جاورت قلب امرئ إلا وصل

هذا معناه: تعويد الولد على تقوى الله، على مراقبة الله، ليس هناك ضرر-وإن كان صغيراً- إذا عبث تقول له: اتقِ الله يا ولد، اتق الله، فهو سيتعود على هذه الموعظة، وإذا حصل من آخر ما يستدعي أن يعظه سيقول له: اتق الله: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ﴾[لقمان:13]، فأنت تعظ ولدك كما وعظ لقمان ولده، عظه، وقد تنفعه تلك الموعظة، إن لم تنفعه في صغره ستنفعه في كبره، يقول: سمعت من أبي وعظني بهذه الموعظة، قال: كذا وكذا.

ومن وصايا لقمان لولده: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ﴾[لقمان:17] فأوصاه بعد التوحيد بالصلاة، فإنها الركن الثاني بعد توحيد الله عز وجل، فصارت هذه الوصايا مرتبة، صارت هذه الوصايا الأهم فالأهم، وأنه أوصاه بالأمور المهمة: ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[لقمان:17]، ومن وصايا لقمان لولده: أنه أمره أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

إياك أن تخذل ولدك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا رأيت منكراً قل له: انصح فلان، وإذا رأيت معروفاً أيضاً قل له: مر فلان أن يشرب بيمينه، لا بأس بهذا، حتى يقول له: اشرب بيمينك يا فلان، تكون نصيحة من الصبي، يقول لأخيه.. يقول لأمه.. يقول لمن رأى من الناس، وهكذا إذا رأى منكراً رأى حالق لحية، أو لابس بنطال يقل له: انصحه، لا يحلق لحيته، ودعه ينصحه، فهو إذا كبر يتعود على هذا الخير.

وهذا فيه موعظة للصبي، وموعظة للمنصوح إذا كان مثل ذلك: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾[لقمان:17].

ومنه أيضاً تثبيته: أوصى ولده بالثبات وأن يصبر، فإن الولد إذا لم يكن عنده صبر لا يمكن أن يتحمل الأمراض يضجر ويتسخط، سواء الكبير أو الصغير وإن لم يكن له صبر أيضاً ما يمكن أن يتحصل على علم، ما تراه إلا صاحب ملل، وصاحب ترف، ولا يهدأ باله إلا بالشوارع، ومع اللعابين ما عنده صبر، فعوده على الصبر، وعوده على..

(..قطع في الصوت..)

.. لا تعوده على الترف وعلى الميوعة، فإن هذه كما يقال:

إن الشباب والفراغ والجدة                   مفسدة للمرء أي مفسدة

(..قطع في الصوت..)

.. بل وعليهم؛ لأنهم ما أدبوهم، وما أكرموهم بالمال ولم يكرموهم بالتعليم.

حاصل ذلك: أن هذه الوصايا فيها درس عظيم، ومن هذا الدرس، مختصر هذا الدرس في هذه المسائل، ومما أوصى به ولده: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾[لقمان:18]، هذا وصية أيضاً لنا جميعاً: أن الوالد ينصح ولده بالتواضع وإجلال أهل العلم، وهكذا أيضاً معرفة حق الكبير: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه» يعرف ذلك يتواضع عند أهل العلم، ليس نقصاً عليه أن تعلمه التواضع للعالم وللصلحاء ومحبة أهل دين الله الحق، محبة أهل السنة علماء السنة، ولا يصعر خده عليهم، مهما كبر، مهما طالت قامته، ومهما أيضاً يعني: اكتسب من مال، يهدئه ولا زال عليك أن توصيه، فلك عليه الحق، حق قبول النصح، وحق الوالدين مهما كبر، نعم.

قبول نصوح الوالدين وبر الوالدين: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾[لقمان:18] يميل خده يصعر خده، إذا تكلم عليه أحد تكبر عليه وجانبه بخده كأنه لا يبالي له: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾[لقمان:18].

أيضاً مما يوصى به الولد: أنه يمشي بهدوء وبسكينة: «عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع» ، ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[الحجر:88]، «من تواضع لله رفعه الله» ، فيؤدب الولد ويعلم السكينة، ولو من الصغر، يتعود على هذا الخير، ولا يتعلم البخترة، ولا يتعلم الغطرسة، ولا يتعلم الكبر والتعالي على الناس، وأنت شيخ ابن شيخ! وإذا لم تكن ذئب أكلتك الذئاب! ومن هذا الكلام عند عوام الناس هداهم الله، ربما ما يذكر ولده تقوى الله والأخلاق الحميدة يوماً من الدهر، ويبقى ينفخ فيه من الصغر من هذه الأمور، فهذه تربية في الحقيقة يعني: نتائجها سلبية، إذا كانت تربية على الدنيا، أو تربية على الوظائف، أو تربية على المطامع، أو تربية على الكبر، أو تربية على الفخر والخيلاء، أو تربية.. نتائجها سلبية لا يفرح بها إنسان مستقيم حتى وإن كان إنساناً عزيزاً فالتواضع لا يزيده إلا عزاً، وإن كان إنساناً شريفاً مكرماً فالعلم والتواضع لأهل العلم لا يزيده إلا كرامة، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم: «قيل: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم، فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فيوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» ، فإذا تفقه في دين الله وكان عزيزاً، يزيده التفقه عزاً، وإذا تواضع يزيده التواضع عزاً.

انظر الآن إلى نظرية الناس، إلى بعض المسئولين، إذا التقى الإنسان بمسئول أو بعالم أو بثري أو بمن كان من الناس ثم رأى منه البساطة، ورآه هيناً ليناً سهلاً، يعظم في عينه ويكبر في عينه، يقول: سبحان الله! هذا الرجل رأينا منه التواضع، ثم يكبر في عين ذلك الإنسان، فإن رأى منه خلاف ذلك، ورأى منه النفخ، ورأى منه.. مهما كانت مسئوليته، ومهما كانت رتبته ومهما كانت منزلته يحتقره عوام الناس وصغار الناس، ويوم القيامة أيضاً احتقاره أشد أن يكون في منزلة الذر يطأه الناس بأقدامهم: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾[الزمر:60]، الكبر: غمط الناس وبطر الحق، فعود ولدك على التواضع لله سبحانه وتعالى، وأن لا يرد حقاً أبداً ويبحث عن الحق، والتواضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يرد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا من التواضع، بل يقبلها على الرأس والعين، ويعظم شعائر الله، وعود ولدك على التواضع للعلم، والتواضع لعلماء الحق والتواضع للمؤمنين، ويعتز على الكافرين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾[المائدة:54]، أنت ما تحب لولدك أن يكون من هذه الصفات؟ بلى.

﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾[لقمان:19] مع الاقتصاد في المشي ومع السكينة، أيضاً علمه أن يغض من صوته، ولا يبقى صخاباً، فإن من شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ليس بفض ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح، وأنت تحب لولدك أن يكون مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في هذه الصفات الحميدة، وأن لا يكون صخاباً رافعاً من صوته، يغض من صوته في المجلس أينما كان، إذا تخاطب يتخاطب بهدوء بسكينة بعدم رفع الصوت، يغضض من صوته: ﴿إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾[لقمان:19]، هذه السورة فيها تأديب إلهيٌ للأبناء، وأمر للآباء، بالتأدب لهم بهذه الآداب العظيمة، هنيئاً لمن توفرت فيه.

 

الملقي: المسألة السادسة: ما معنى حديث عائشة المتفق عليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم «أعتم بالعشاء، حتى ناداه عمر، فقال: يا رسول الله! نام النساء والصبيان» فهل كان النساء والصبيان في المسجد ينتظرون الصلاة؟

الشيخ: نعم.

هذا مما يذكره أهل العلم، ولهذا نبهنا عليه، يذكر النووي رحمه الله: أن النساء والصبيان كانوا في المسجد ينتظرون الصلاة، وهذا تأديب عظيم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من أولئك الصحابة، يأخذ الإنسان ولده ويأخذ أهله، ويجعل النساء على حدة في الصفوف الأخيرة بعيدات عن الرجال.. وهكذا أيضاً الصبيان، وينتظرون صلاة العشاء من المغرب إلى العشاء.

فلهذا لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة كما في هذا الحديث المتفق عليه، نادى عمر: «يا رسول الله: نام النساء والصبيان، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنه لم يصلّ أحد هذه الصلاة غيركم» ، أخر العشاء في تلك الليلة، وهذه سنة تأخير العشاء إلى نصف الليل في بعض الحالات.

الشاهد من هذا: تعويد الأبناء، تعويد الأولاد على الصبر على الطاعة، وعلى انتظار الصلوات والترويض لهم في المساجد، وأما حديث (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم) فهو حديث ضعيف، جاء عن أبي الدرداء وعن أبي أمامة، وكل طريق من طرقه ضعيفة، وهو متعارض مع مثل هذا الحديث، ومتعارض مع حديث ابن عباس في أنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتعارض مع حديث ذلك الصبي الذي رده أبي عن الصف الأول، ومتعارض مع حديث عمر بن أبي سلمة أنه أمّ الناس وعمره سبع سنين، ومتعارض مع حديث: أن الحسن والحسين دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فدخلا يمشيان ويعثران، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «صدق الله: ﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾[الأنفال:28]» ، فهذا متعارض مع أدلة كثيرة فيه نكارة في المتن، وفيه ضعف في السند، أعني: حديث: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم) حديث ضعيف السند ومنكر المتن.

 

الملقي: المسألة السابعة: ما الجمع بين قول الله تعالى: ﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾[الأنفال:28]، وقوله: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[الكهف:46].

الشيخ: وهذه الزينة أيضاً قد تتبادر إلى الذهن أنها زينة ولا فتنة فيها، هذه الزينة قد تكون فيها فتنة للإنسان يشغل عن ذكر الله، وهذه أعظم فتنة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[المنافقون:9]، خسارة عظيمة أن تفتن عن ذكر الله، عن الصلاة.. عن الحج، عن العبادة؛ بسبب ولدك: «الولد مبخلة مجبنة» ، فلهذا احذر من هذا الصبي، من هذا الولد الذي رزقك الله أن لا يكون فتنة عليك، وأن يكون نعمة عليك في طاعة الله عز وجل، أما إذا فتنك فإنك خاسر، كما نص القرآن على ذلك، لابد من الانتباه لهذا، فرب إنسان إذا رزقه الله ولداً شغل به عن واجبات، وإذا شغل به عن واجبات وأحبه وقدم محبته على طاعة الله فهذه المحبة تصير معصية.

 

الملقي: المسألة الثامنة: من أحق بحضانة الصبي غير المميِّز أو المميز.

الشيخ: وهذا من متعلقات هذا الباب أيضاً مسألة الحضانة من الرعاية للأطفال وحسن العناية بهم، فلو ترك بغير حضانة ضاع وتلف.

ومما ينبه عليه في هذا الباب: الحج، حج المرأة وصبيها صغير تضعه عند امرأة أخرى فربما ما تحسن به الرعاية تلك الأخرى أو يختلف عليه الحليب، فلأن تبقى تلك المرأة، إما أن تأخذ ولدها معها وترضعه، وإما أن تبقى عند ولدها حتى يكبر قليلاً ثم تحج خير لها من أن تحج وتترك ولدها يضيع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول» ، وقد رأينا بعض الأطفال ممن حصل لهم التلف بهذه الإساءة من الأمهات إما أن تذهب حجاً أو تذهب سفراً لمكان وتترك ابنها فلا يحصل له حليب، وهكذا أيضاً ربما لا يتلاءم ثدي تلك معه، أو ما يرتاح للمرأة الأخرى ويحصل له ضرر.

فالحضانة أمر مهم، ولهذا رتب النبي صلى الله عليه وسلم في الحضانة الأم، فإنها أرحم بولدها من غيرها من الناس، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «يا رسول الله! إن ابني هذا ثديي له سقاء وحجري له وعاء وأراد أبوه أن يأخذه مني بعد أن فارقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي» .

وأما الحديث الذي فيه، الحديث الآخر، حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله! إن زوجي أراد أخذ ولدي وقد صار الولد يسقيني من بئر أبي عنبة، فجاء أبوه فقال: من يحاقني في ولدي؟ فخير النبي صلى الله عليه وسلم بين أبيه وأمه فاختار أمه فانطلقت به» فهذا في حق المميز، فإن كان مميزاً يخير، وهذا من الرعاية له أن لا يهضم ولا يجبر على أحد والديه، يذهب مع من ارتاح معه، لا سيما وهو عند أحدهما محفوظ ومرعي، أما إن كان عند أحدهما سيضيع، فالأحق برعايته وحضانته من يرعاه، ومن يدفع عنه الفتنة والشر.

هذا هو الحضانة للأم؛ لأنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: الله أرحم بهذا الولد من أمه» .

الشاهد: أنها رحيمة بولدها، وهي أرحم به من غيرها فكانت الحضانة لها في صغر الولد، فإذا ميز وصار يختار هذا أو هذا فليتبع من شاء مع الشرط المتقدم منهما.

 

الملقي: المسألة التاسعة: أي الأسماء أفضل للبنين والبنات؟

الجواب: وتتمة أيضاً لما مضى فيما يتعلق بالعناية للأبناء والرعاية والإحسان إلى الأبناء حسن التسمية، فرب إنسان يسمع بممثل من الممثلين أو مصارع من المصارعين أو ملاكم من الملاكمين أو لعاب كرة أو بعض العصاة من اليهود والنصارى، أو أسماء قبيحة يسمي ولده بذلك الذي يراه بطلاً زعم، مغني من المغنين، نعوذ بالله، وهذا لا يجوز، ومعناه: أنه أساء إلى ولده ولم يحسن تسميته، وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن.

وفي الصحيح أيضاً من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه ذهب إلى نجران فسألوه عن قول الله عز وجل: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾[مريم:28]، هل كانت مريم أخت هارون الذي هو أخو موسى؟ فرجع المغيرة «وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: لا، إنما كان الأنبياء يتسمى بعضهم ببعض» ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولد لي الليلة ولد فسميته باسم أبي إبراهيم» ، وقال عليه الصلاة والسلام: «تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» ، ففي ذلك فضل التسمي بأسماء الأنبياء، وفضل التسمي بعبد الله أو بعبد الرحمن أو ما عبد لله سبحانه وتعالى، ولا يجوز تسمية المولود بالتعبيد لغير الله سبحانه وتعالى مثل: عبد الحارث، عبد الكعبة، عبد الشمس.. المهم: تعبيده لا يجوز إلا لله سبحانه، وأما لغير الله فلا يجوز بالإجماع نقل ذلك ابن حزم رحمه الله.

(قطع في الصوت)

.. يسمى بآسية.. تسمى كذلك بخديجة، تسمى بأسماء الصالحات، تسمى أمة الله، أمة الرحمن، أمة العزيز، أمة الملك.. الخ، ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾[مريم:93-95]، الرجل يقال له عبد الله، والمرأة يقال لها: أمة الله.

 

الملقي: المسألة العاشرة: قول سليمان عليه السلام: «لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كل واحدة تلد غلاماً يجاهد في سبيل الله» ، هل فيه رد على القائلين بتحديد النسل؟

الشيخ: نعم، حتى في الملل الماضية فيه من هذا وأضف إلى ذلك أيضاً: أنه يجب على المسلم أن يحتسب في إتيانه لأهله طلب الولد الصالح، والتماس الولد الصالح، فإذا احتسبه أجر، وإنما نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام لم يقل: إن شاء الله، فخرج له نصف رجل، ولو قال: إن شاء الله لتحقق ما كان ناوياً له بإذن الله عز وجل كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

الشاهد من هذا: أن من الإحسان إلى الأبناء وإلى الأطفال وتربيتهم ورعايتهم والعناية بهم: أن الإنسان ينوي صلاح ولده ولو من وقت إتيانه لأهله، ويسمي أيضاً، وهذا مما يعينه على صلاح ولده بإذن الله عز وجل.

 

الملقي: الحادي عشرة: حديث «من حفظ ولده القرآن وعمل به ألبس تاجاً من نور ويكسى والداه حلتان لا تقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن» هل هذا في حق من أعان ولده، أو لم يعنه، ومن وأخذ القرآن وأبواه غير راضيين بقصدهما: أنه يدرس في المدارس؟

الشيخ: أي هذا أردناه تنبيهاً على هذا الخير العظيم، فإن كثيراً من الناس لا يعرف هذا الفضل له ولا لولده، وإذا أراد ولده أن يغترب فيه بلد من البلدان تشرف بذلك إن كان يجمع الدنيا، وإذا أراد ولده أن يطلب العلم يعتبره ضائعاً من الضائعين! وهذا فهم منكوس، وهذا فهم مختلف، وهذا فهم غير صحيح، فالواجب على المسلم أن يعين ولده على الخير من صغره إلى كبره، وأن يعوده ويعينه على حفظ القرآن من الصغر، يحفظ الفاتحة، يحفظه صغار السور وهو صغير، ويعلمه العقيدة الصحيحة: أين الله؟ فيقول: في السماء, ما الدليل فيقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5], كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الجارية في أمور من بدائيات العقيدة, فإذا تعود على هذا الخير يعينه على حفظ القرآن، فإن أعانه على حفظ القرآن ربح ربحاً عظيماً: يكسيان حلتان هو وأمه لا تقوم لهما الدنيا، الدنيا كلها ما تساوي الحلتين، ولا تعدل الحلتين، الدنيا كلها بقصورها وكنوزها وأنهارها وبحارها.. وما في ذلك من المرجان واللؤلؤ والعنبر، وكذلك من الكنوز كلها ما تساوي الحلتين: «بما كسينا هذا؟ قال: بأخذ ولدكما القرآن» , هذه غفلة عند كثير من الناس والله! يجهلون هذا الخير، ويجهلون ما عند الله، يجهلون ما أعده الله لمن أعان ولده على الخير.

أما من لم يعن ولده، وعاند، وأعرض، وربما أتبعه بالدعاء، وربما أتبعه أيضاً بالتضييق، وعدم المعونة، فإن هذا وإن حصل له خير من ولده، لكن ليس كمن يحصل له تعاون، ويكون هو متسبباً في حفظ ولده القرآن، نعم يبدو والله أعلم: أن الحلتين في حق المعاون: «بأخذ ولدكما القرآن» ، وأن من لم يعن ولده، وحفظ ولده القرآن بما أن الولد من كسب أبيه يؤجر، ولكن ليس كمن أعانه على هذا الخير.

 

الملقي: الثاني عشر: حديث عياض بن حمار في صحيح مسلم : «أهل الجنة ثلاثة.. ومنهم: عفيف متعففٌ ذو عيال» لماذا خص ذا العيال؟

الشيخ: (عفيف متعفف ذو عيال) هذا من فضل تحصيل العيال، وهذا من فضيلة الزواج لقصد حصول الولد، فإنه معد له الجنة سواء كان فقيراً، وصبر على فقره فهنيئاً له ما في هذا الحديث، عكس ما تراه عند بعض الناس عاملهم الله بما يستحقون، أنه إذا ازداد على ثلاثة من الولد يصورونه في صورة مزرية، فيظهرون للناس: أنه صار رأسه مقششاً! وثيابه مقطعة! وأمه صارت أيضاً تعبانة! والولد ذاك يصرخ، وذاك من هناك يطالب بالحلوى، وذاك يطالب بالفاكهة، وكلهم ما يجدون، وهم في حالة يرثى لها، من أجل أن يزهدوا الناس في حصول الولد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيفٌ متعففٌ ذو عيال» , فذكر ذا العيال: أنه يتعب مع عياله إن كان فقيراً، ومع هذا الفقر يتعفف ويستغنِ بالله سبحانه وتعالى فيستحق بذلك الجنة، والله سبحانه ما سيضيع أولاده قال الله سبحانه: ﴿وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[العنكبوت:60].

فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على قوله: «ذي عيال» , على أن صاحب العيال أشد احتياجاً من غيره، وإن الذي ما عنده عيال قد يكتفي بما تيسر له ولزوجته، أما صاحب العيال: فهذا يطلبه وهذا يطلبه، وهذا يبكي وهذا يصرخ، وهو مع ذلك صابر على هذا الحال، فهو مأجور بالأجر العظيم على صبره على هذا الحال، وعلى تلك الفتنة التي فتنه أولاده، فتنه بناته، هذا يطلب وهذا يؤذي، وهذا يبكي وهذا يزعجه عن نومه.. إلى آخره.

 

الملقي: الثالث عشر: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حامل أُمامة) كما في الصحيح فهل هذا على إطلاقه أم يشترط أن الصبي يكون نظيفاً من الأذى؟

الشيخ: ذكروا هذا أنه (صلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حامل أمامة) وهو ما يتعلق بهذا الموضوع، فيه الرحمة بالأبناء والأطفال، فلو بكى والإنسان يصلي قد يشغله ذلك البكاء عن صلاته، وكذلك الأم أيضاً نفس الحكم قد تشغل عن صلاتها، فإذا حمله كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإذا ركع وضعه، وإذا سجد وإذا قام حمله، قد يهدئ من بكاءه، وقد يصير معتنياً به من حيث الرحمة به.

وأما ما يتعلق بشرطية الطهارة، فلو كان محفوظاً أذاه فلا بأس بذلك، وإن كان الأذى فيه يكون متلطخاً ببول أو كذا فلا، فقصة أمامة محمول على أنها كانت نظيفة عن النجاسات من بولٍ أو غائط، ذكر هذا أهل العلم رحمهم الله.

الملقي: الرابع عشر: هل على الصبي جمعة وما معنى حديث أبي سعيد: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» ؟

الشيخ: نعم، مفهومه: على أن غير المحتلم ما عليه غسل، لكن هل عليه جمعة؟ لا ما عليه جمعة، الصبي ليس عليه جمعة، ولا كذلك جماعة، ولا كذلك تجب عليه الصلاة إنما يعود على الخير: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبعٍ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» .

ومن الأحكام في هذا الحديث: التفريق بين الصبيان بعد العشر، فيكون البنات على حده، ويكون الصبيان –الأولاد- على حدة، فإذا اختلط هذا بهذا يخشى من فتنة، ومن التعود على السوء، وأن تتعرى أخته أمامه، أو يتعرى أمام أخته فيحصل الشر، وإذا ضاق البيت ممكن أن يكون الأب في الوسط، بين البنات والأبناء أو الأم تصير حاجزاً وإذا نام الولد كذلك بجانب أخيه، يجعل الحواجز بينهما إبعاداً للأخ عن أخيه، كل ذلك من الرعاية، وكل مما يجب على الوالدين للأبناء, وعلى كل محتلم نعم.

 

الملقي: الخامس عشر: هل من مقاصد في اختيار الزوجة الصالحة إحسان تربية الأولاد؟

الشيخ: نعم، من مقاصد اختيار الزوجة الصالحة تربية الأولاد، الزوجة غير الصالحة قد تضيع الأولاد، وتشبعهم دعاء، وتشبعهم لعناً، وتشبعهم أيضاً ضرباً، ما عندها إلا اللعن والسب الضرب، وما عندها كذلك أيضاً إلا الخصام مع زوجها من كثرة الأولاد، أما الصالحة فتعلمهم الأذكار، أذكار النوم، أذكار الاستيقاظ، تعلمهم الوضوء تعلمهم الصلاة تعلمهم كذلك ما تعرفه من القرآن مثل الفاتحة، مثل المعوذتين، هذا من التعاون على البر والتقوى وهذا مما يدل على الصلاح ومحبة الدين عندها، فلهذا الزواج بها ظفر: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» , أي: خابت يداك، خابت يمينك إن لم تظفر بذات الدين، تضيع أولادك.

ومن هنا يقال: إن الزواج بالكتابية مشروع جائز لكن الذي ينبغي إن الإنسان يحرص على الزواج بالمسلمة الصالحة فكم قد جاءتنا من اتصالات: أن بعضهم تزوج بكتابية، وفارقته وأخذت الأولاد، وذهبت بالأولاد وصار أولاده نصارى، وبعض النسوة من العاصيات ممن لا يعرفن الحكم الشرعي من المسلمات، فارقت زوجها ثم ذهبت بالأولاد فضيعت الأولاد بين النصارى، وصار أولادها نصارى.

فعلى هذا: الواجب على المسلم أن يتحرى رعاية الأولاد، ومن رعاية الأولاد: الزواج بالمرأة التي يتوسم فيها الدين، وهذا ظفر عظيم كما نص الحديث على ذلك، متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

 

الملقي: السادس عشر: تحنيك الصبي هل يذهب به إلى الرجل الصالح في القرية ؟

الشيخ: تحنيك الصبي مع ثبوته في حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم, حنك عبد الله بن أبي طلحة، ذهب به أنس بن مالك قالت له أم سليم: أو قيل لأنس: لا يأكل شيئاً حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصحيح في هذا: أن ذلك يختص برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتوسع إلى غيره، فما كانوا يذهبون بالصبيان إلى أبي بكر، ولا إلى عمر ولا إلى عثمان ولا إلى علي.. ولا إلى غيرهم من صلحاء الصحابة، وأما الصحابة رضوان الله عليهم.

فالذي ينبغي: أن ذلك يقتصر به على النبي صلى الله عليه وسلم أعني: من حيث أنه كان خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، أما غيره فيحنك الولد، أبوه أو تحنكه أمه، أو يحنكه من كان حافظ، التحنيك المشروع مستحب والذهاب به إلى من يتوسم به الصلاح بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم محدث.

 

الملقي: السابع عشر: في الصحيح من حديث أبي قتادة وأنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يخفف الصلاة إذا سمع بكاء الصبي» , فما سبب ذلك التخفيف ؟

الشيخ: سببه الرحمة بالأبناء ورعاية الأبناء، فلو صلى والولد يبكي، وهذا ليس حكماً خاصاً بأحد بل بسائر الأئمة، إذا سمع بكاء الصبي ينبغي أن يخفف، وإن أمه تشغل عن الصلاة فتصير مشدوهة البال لا تخشع في صلاتها، فالعلة مذكورة في الحديث: شفقة على أمه فهذا هو، وحتى أيضاً المصلون الآخرون قد يشغلهم عن صلاتهم، فلهذا يخفف، وإن أراد التطويل وكان ناوياً التطويل وسمع بكاء الصبي يخفف كما هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين وغيرهما.

 

الملقي: بارك الله فيكم، الثامن عشر: الأمر بكف النساء والصبيان عند غروب الشمس هل هو للوجوب؟

الشيخ: «كفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر» ، ولا نعلم مانعاً أو صارفاً لهذا الأمر عن الوجوب، وإن كان بعضهم يرى الكراهة ويقول: هو أمر أرشادي، لكن الذي يظهر أنه معلل بانتشار الشياطين، وانتشار الشياطين فيه ضرر على الصبيان، وإذا تضرر الصبي آذى أهله ووالديه، وحصل الضرر على البيت كله فنعم، ليس ببعيد أن يكون واجباً هذا النهي، بل هو هذا الظاهر: أن النهي هذا يقتضي التحريم وليس للكراهة.. للتحريم وليس للكراهة، فلا ينبغي لامرأة ولا لأحد أن يترك أولاده ينتشرون في الشوارع عند غروب الشمس؛ لأنه يحصل الضرر بالأولاد من انتشار الشياطين وما يدري تلك المرأة أن ولدها يصاب بالمس، أو يصاب بالصرع كذلك، أو يصاب أيضاً بما يضرها ويؤلمها؛ بسبب إهمالها، وبسبب عدم مبالاتها بذلك الصبي، فعليها أن تحفظ أولادها في البيت ولا يخرجوا لا لشراء مقاضي، ولا كذلك أيضاً لذهاب بعد فلان ولا شيء من ذلك، عند غروب الشمس تكف الصبيان في البيت، وإن تمكنت أيضاً أن تدخل الصبيان داخل الباب حتى لا يبقون في الحوش هذا هو الأفضل.

 

الملقي: التاسع عشر: هل في مال الصبي اليتيم زكاة؟ وما النصيحة لمن يحتال على ماله؟

الشيخ: مال الصبي فيه زكاة؛ لأن المال لا يتعلق بالصبي اليتيم، وإنما يتعلق بماله: «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإذا كان عنده مال يبلغ النصاب ويحول عليه الحول فتخرج الزكاة من ذلك المال، وهذا قول جمهور العلماء.

أما من يحتال على مال اليتيم بأكله أو إتلافه أو غير ذلك فهذا متعرض لكبيرة أو مرتكب كبيرة قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾[النساء:10], وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» , وذكر منها: «وأكل مال اليتيم» فهي موبقات كبائر.

وهذا الموضوع واسع موضوع، انتهاك حرمة مال اليتيم، وإيذاء اليتيم وعدم الصبر على اليتيم وإبكاء اليتيم وضرب اليتيم.. وما إلى ذلك موضوع واسع يكتب فيه بعض إخواننا نسأل الله أن ييسر ذلك.

 

الملقي: العشرون والأخير: ما حكم الدعاء على الولد العاصي هل يجوز؟

الشيخ: نعم، هذا الأخير هل يجوز الدعاء على العاصي؟ بعضهم تقل له: لا تدع على ولدك، يقول: ولدي عصاني.. ولدي عاصي أتعبني، ولدي عاق فلهذا أدع عليه؛ لأنه عاق، وهذا الدعاء ولو على ولد عاق لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدعُ على أبنائكم ولا على أموالكم لا توافقوا ساعة يستجاب لكم» , فهذا نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم، بل الذي ينبغي الدعاء لهم، كما سبق ذكر بعض الأدلة في دعاء الأنبياء لأبنائهم.

ومنهم أيضاً نوح عليه الصلاة والسلام لم يدعُ على ولده، ما دعا على ولده مع تلك المعصية التي حصلت من ولده ولم يدع عليه، بل تركه ووكل أمره إلى الله عز وجل، وهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات ومنهما دعاء الوالد لولده» .

فأنت اغتنم أوقات الإجابة لعل الله عز وجل أن يستجيب لك دعوة فيريحك بطاعة ولدك، وتكون قد استفدت من تلك الدعوة: «فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» .

 

الملقي: فالمقصود بالصبيان هنا الذين يعملون نواصي العباد بيد الله ولدك هذا العاصي ناصيته بيد الله فاضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يهديه ولعل الله عز وجل يستجيب بعض دعواتك: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة:186], قال الله سبحانه: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾[الأعراف:55], قال الله سبحانه: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾[النمل:62], فاضرع إلى الله سبحانه وادعه: ﴿وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾[يوسف:87], نعم.ا.هـ

 

الشيخ: أن السلف كانوا يعلمون أولادهم العفو عن الذنب الدين.

الملقي: ...................

الشيخ: المقصود بالصبيان هنا الذين يعملون، ما هو الأبناء قال لصبيه: معناه الذي يعمل معه أي: في عمله ذاك وهو ربما أطلق عليه لقب صبي.

طيب من كان حول هذا الموضوع ممكن ينبه أو يغيث كما يحب.

الملقي: العدل بين ................

الشيخ: العدل بين الأبناء نعم، ولو كان صغيراً: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» , قال النبي صلى الله عليه وسلم فلو لم يعدل يغضب ذلك ويسبب الشحناء بين الصبيان، يسبب الشحناء بينهم والعداوة فيتآكلون ويتقاضمون ويتخارشون من سوء عدل الأب أو الأم، يعطي هذا مثلاً حلوى ولا يعطي هذا، ويعطي هذا لباساً ولا يعطي هذا، هذا يغضب فالواجب العدل بين الأولاد, طيب نعم.. ما سمعنا؟

الملقي: .. النية طيبة في ......

الشيخ: نعم، النية طيبة، حتى من المرأة أيضاً، أن تكون ناوية يعني بالولد ذاك يعني: أن يكون صالحاً كما قالت: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾[آل عمران:35]، تقبل مني: أي أنها تنوي، إن كان ما تنذره، لكن تنو، نعم. تفضلوا بارك الله فيكم.