الدرس السابع والعشرون: من التعليق على كتابِ ‌مِنْهَاجِ ‌السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ_ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - ‌رَحِمَهُ ‌اللَّهُ

📅 ٢٨ جمادى الآخرة ١٤٤٧ 23 تحميل
00:00 34:27




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 

الدرس السابع والعشرون: من التعليق على كتابِ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي نَقْضِ كَلَامِ الشِّيْعَة الْقَدَرِيَّةِ  _ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

 

يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْحَرَّانِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْهَاجُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّهُ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّوْكَةِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ يُوَلُّونَ شَخْصًا وَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْوِلَايَةِ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَخْتَارُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّوْكَةِ لَمْ يَكُونُوا مُوَافِقِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ عُقِدَ الْعَهْدُ مَعَهُ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَهُ، فَكَانَ يَزِيدُ هُوَ وَلِيَّ الْعَهْدِ .

وَحِينَئِذٍ فَأَهْلُ الشَّوْكَةِ الَّذِينَ قَدَّمُوا الْمَرْجُوحَ وَتَرَكُوا الرَّاجِحَ، أَوِ الَّذِي تَوَلَّى بِقُوَّتِهِ وَقُوَّةِ أَتْبَاعِهِ ظُلْمًا وَبَغْيًا، يَكُونُ إِثْمُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ أَعَانَ عَلَى الظُّلْمِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَظْلِمْ وَلَا أَعَانَ ظَالِمًا وَإِنَّمَا أَعَانَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْءٌ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ لَا يُعَاوِنُونَ الْوُلَاةَ إِلَّا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، لَا يُعَاوِنُونَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَيَصِيرُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ الَّذِي يَجِبُ تَقْدِيمُهُ فِي الشَّرْعِ لِكَوْنِهِ أَقْرَأَ وَأَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ، أَوْ أَقْدَمَ هِجْرَةً وَسِنًّا، إِذَا قَدَّمَ ذَوُو الشَّوْكَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُ، فَالْمُصَلُّونَ خَلْفَهُ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُهُمُ الصَّلَاةُ إِلَّا خَلْفَهُ، أَيُّ ذَنْبٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ؟

وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ الْجَاهِلُ أَوِ الظَّالِمُ أَوِ الْمَفْضُولُ إِذَا طَلَبَ الْمَظْلُومُ مِنْهُ أَنْ يُنْصِفَهُ وَيَحْكُمَ لَهُ بِحَقِّهِ: فَيَحْبِسُ لَهُ غَرِيمَهُ، أَوْ يُقَسِّمُ لَهُ مِيرَاثَهُ، أَوْ يُزَوِّجُهُ بِأَيِّمٍ لَا وَلِيَّ لَهَا غَيْرُ السُّلْطَانِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَأَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِنْ إِثْمِهِ، أَوْ إِثْمِ مَنْ وَلَّاهُ وَهُوَ لَمْ يَسْتَعِنْ بِهِ إِلَّا عَلَى حَقٍّ لَا عَلَى بَاطِلٍ؟ .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [سُورَةُ التَّغَابُنِ: ١٦] وَقَالَ النَّبِيُّ - ﷺ - «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ.

وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى الْأَصْلَحُ لِلْوِلَايَةِ إِذَا أَمْكَنَ: إِمَّا وُجُوبًا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَأَنَّ مَنْ عَدَلَ عَنِ الْأَصْلَحِ مَعَ قُدْرَتِهِ - لِهَوَاهُ - فَهُوَ ظَالِمٌ، وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَوْلِيَةِ الْأَصْلَحِ مَعَ مَحَبَّتِهِ لِذَلِكَ فَهُوَ مَعْذُورٌ.

وَيَقُولُونَ: مَنْ تَوَلَّى فَإِنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، [وَلَا يُعَانُ إِلَّا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُعَانُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ.

أَفَلَيْسَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِمَامَةِ خَيْرًا مِنْ قَوْلِ مَنْ يَأْمُرُ بِطَاعَةِ مَعْدُومٍ أَوْ عَاجِزٍ لَا يُمْكِنُهُ الْإِعَانَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْأَئِمَّةِ؟ .

وَلِهَذَا كَانَتِ الرَّافِضَةُ لَمَّا عَدَلَتْ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي مُعَاوَنَةِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، دَخَلُوا فِي مُعَاوَنَةِ الْكُفَّارِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، فَهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ إِمَامٌ مَوْجُودٌ يَأْتَمُّونَ بِهِ إِلَّا كَفُورٌ أَوْ ظَلُومٌ، فَهُمْ كَالَّذِي يُحِيلُ بَعْضَ الْعَامَّةِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ رِجَالِ الْغَيْبِ، وَلَا رِجَالَ عِنْدَهُ إِلَّا أَهْلُ الْكَذِبِ وَالْمَكْرِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الْجِنُّ أَوِ الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ يَحْصُلُ بِهِمْ لِبَعْضِ النَّاسِ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ.

فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ مِنَ النَّصِّ هُوَ حَقٌّ مَوْجُودٌ، وَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُوَلُّوا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ، لَكَانُوا قَدْ تَرَكُوا مَنْ يَجِبُ تَوْلِيَتُهُ وَوَلَّوْا غَيْرَهُ. وَحِينَئِذٍ فَالْإِمَامُ الَّذِي قَامَ بِمَقْصُودِ الْإِمَامَةِ هُوَ هَذَا الْمُوَلَّى دُونَ ذَلِكَ الْمَمْنُوعِ الْمَقْهُورِ. نَعَمْ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى، لَكِنْ مَا وُلِّيَ، فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُ وَعَدَلَ عَنْهُ، لَا عَلَى مَنْ لَمْ يُضَيِّعْ حَقَّهُ وَلَمْ يَعْتَدِ.

وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنِ الْإِمَامَ وَجَبَ نَصْبُهُ لِأَنَّهُ لُطْفٌ وَمَصْلَحَةٌ لِلْعِبَادِ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ - وَرَسُولُهُ - يَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ لَا يُوَلُّونَ هَذَا الْمُعَيَّنَ إِذَا أُمِرُوا بِوِلَايَتِهِ، كَانَ أَمْرُهُمْ بِوِلَايَةِ مَنْ يُوَلُّونَهُ وَيَنْتَفِعُونَ بِوِلَايَتِهِ، أَوْلَى مِنْ أَمْرِهِمْ بِوِلَايَةِ مَنْ لَا يُوَلُّونَهُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِوِلَايَتِهِ، كَمَا قِيلَ فِي إِمَامَةِ الصَّلَاةِ وَالْقَضَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ النَّصِّ مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ؟

وَالنَّبِيُّ - ﷺ - قَدْ أَخْبَرَ أُمَّتَهُ بِمَا سَيَكُونُ وَمَا يَقَعُ بَعْدَهُ مِنَ التَّفَرُّقِ، فَإِذَا نَصَّ لِأُمَّتِهِ عَلَى إِمَامَةِ شَخْصٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يُوَلُّونَهُ، بَلْ يَعْدِلُونَ عَنْهُ وَيُوَلُّونَ غَيْرَهُ يَحْصُلُ لَهُمْ بِوِلَايَتِهِ مَقَاصِدُ الْوِلَايَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا أَفْضَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الْمَنْصُوصِ حَصَلَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْأُمَّةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ مَقَاصِدِ الْوِلَايَةِ مَا حَصَلَ بِغَيْرِ الْمَنْصُوصِ، كَانَ الْوَاجِبُ الْعُدُولَ عَنِ الْمَنْصُوصِ.

مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ شَخْصَانِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ وَلَّى أَحَدَهُمَا أُطِيعَ وَفَتَحَ الْبِلَادَ وَأَقَامَ الْجِهَادَ وَقَهَرَ الْأَعْدَاءَ، وَأَنَّهُ إِذَا وَلَّى الْآخَرَ لَمْ يُطَعْ وَلَمْ يَفْتَحْ شَيْئًا مِنَ الْبِلَادِ، بَلْ يَقَعُ فِي الرَّعِيَّةِ الْفِتْنَةُ وَالْفَسَادُ، كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا وَلَّاهُ حَصَلَ بِهِ الْخَيْرُ وَالْمَنْفَعَةُ، لَا مَنْ إِذَا وَلَّاهُ لَمْ يُطَعْ وَحَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّعِيَّةِ الْحَرْبُ وَالْفِتْنَةُ، فَكَيْفَ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَالِ وِلَايَةِ الثَّلَاثَةِ وَمَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا لَا يَنُصُّ عَلَيْهَا، وَيَنُصُّ عَلَى وِلَايَةِ مَنْ لَا يُطَاعُ بَلْ يُحَارَبُ وَيُقَاتَلُ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ قَهْرُ الْأَعْدَاءِ، وَلَا إِصْلَاحُ الْأَوْلِيَاءِ؟ وَهَلْ يَكُونُ مَنْ يَنُصُّ عَلَى وِلَايَةِ هَذَا دُونَ ذَاكَ إِلَّا جَاهِلًا، إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْحَالَ، أَوْ ظَالِمًا مُفْسِدًا، إِنْ عَلِمَ وَنَصَّ؟ .

وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنَ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، وَهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْعُدُولَ عَمَّا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ إِلَى مَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْفَسَادُ.

وَاذَا قِيلَ: إِنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لَهُ لَا مِنْ تَقْصِيرِهِ.

قِيلَ: أَفَلَيْسَ وِلَايَةُ مَنْ يُطِيعُونَهُ فَتَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ، أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ مَنْ يَعْصُونَهُ فَلَا تَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ بَلِ الْمَفْسَدَةُ؟ .

وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ وَهُنَاكَ مُؤَدِّبَانِ: إِذَا أَسْلَمَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا تَأَدَّبَ وَتَعَلَّمَ، وَإِذَا أَسْلَمَهُ إِلَى الْآخَرِ فَرَّ وَهَرَبَ، أَفَلَيْسَ إِسْلَامُهُ إِلَى ذَاكَ أَوْلَى؟ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ ذَاكَ أَفْضَلُ فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ فِي فَضِيلَتِهِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَلَدِ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِنُفُورِهِ عَنْهُ؟ .

وَلَوْ خَطَبَ الْمَرْأَةَ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ تَكْرَهُهُ، وَإِنْ زُوِّجَتْ بِهِ لَمْ تُطِعْهُ، بَلْ تُخَاصِمُهُ وَتُؤْذِيهِ، فَلَا تَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ هُوَ بِهَا، وَالْآخَرُ تُحِبُّهُ وَيُحِبُّهَا وَيَحْصُلُ بِهِ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ، أَفَلَيْسَ تَزْوِيجُهَا بِهَذَا الْمَفْضُولِ أَوْلَى بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَنَصُّ مَنْ يَنُصُّ عَلَى تَزْوِيجِهَا بِهَذَا الْمَفْضُولِ أَوْلَى مِنَ النَّصِّ عَلَى تَزْوِيجِهَا بِهَذَا؟ .

فَكَيْفَ يُضَافُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا لَا يَرْضَاهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ ظَالِمٌ؟ .

وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ بُطْلَانُ النَّصِّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ هُوَ الْأَفْضَلَ الْأَحَقَّ بِالْأَمْرِ لَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِوِلَايَتِهِ إِلَّا مَا حَصَلَ، وَغَيْرُهُ ظَالِمًا يَحْصُلُ بِهِ مَا حَصَلَ مِنَ الْمَصَالِحِ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا؟ .

فَقَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ خَبَرٌ صَادِقٌ وَقَوْلٌ حَكِيمٌ، وَقَوْلُ الرَّافِضَةِ خَبَرٌ كَاذِبٌ وَقَوْلٌ سَفِيهٌ. فَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: الْأَمِيرُ وَالْإِمَامُ وَالْخَلِيفَةُ ذُو السُّلْطَانِ الْمَوْجُودُ الَّذِي لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى عَمَلِ مَقْصُودِ الْوِلَايَةِ، كَمَا أَنَّ إِمَامَ الصَّلَاةِ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهُمْ يَأْتَمُّونَ بِهِ، لَيْسَ إِمَامُ الصَّلَاةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا وَهُوَ لَا يُصَلِّي بِأَحَدٍ، لَكِنْ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِمَامًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامُ، لَا يُخْفَى إِلَّا عَلَى الطَّغَامِ.

وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُعَاوَنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى دُونَ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَيُطَاعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ دُونَ مَعْصِيَتِهِ، وَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ - ﷺ - إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَخْرُجُ عَنِ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» فَجَعَلَ الْمَحْذُورَ هُوَ الْخُرُوجَ عَنِ السُّلْطَانِ وَمُفَارَقَةَ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يُكْرَهُ مِنَ الْأَمِيرِ، لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ سُلْطَانًا مُعَيَّنًا وَلَا أَمِيرًا مُعَيَّنًا وَلَا جَمَاعَةً مُعَيَّنَةً.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ . فَذَمَّ الْخُرُوجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَمُفَارَقَةَ الْجَمَاعَةِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْسٌ يَجْمَعُهُمْ.

وَالنَّبِيُّ - ﷺ - دَائِمًا يَأْمُرُ بِإِقَامَةِ رَأْسٍ، حَتَّى أَمَرَ بِذَلِكَ فِي السَّفَرِ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً، فَأَمَرَ بِالْإِمَارَةِ فِي أَقَلِّ عَدَدٍ وَأَقْصَرِ اجْتِمَاعٍ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، «عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ». قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْتَدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ». فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. «قَالَ نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».

وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «قُلْتُ: وَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ». قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ».

وَهَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ عَنِ الْخَيْرِ الثَّانِي: «صُلْحٌ عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ فِيهَا، وَقُلُوبٌ لَا تَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ».

فَكَانَ الْخَيْرُ الْأَوَّلُ النُّبُوَّةَ وَخِلَافَةَ النُّبُوَّةِ الَّتِي لَا فِتْنَةَ فِيهَا، وَكَانَ الشَّرُّ مَا حَصَلَ مِنَ الْفِتْنَةِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَتَفَرُّقِ النَّاسِ، حَتَّى صَارَ حَالُهُمْ شَبِيهًا بِحَالِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

وَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ - مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ هَدَرٌ، أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ. فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا غَيْرَ مَضْمُونٍ، كَمَا أَنَّ مَا يُصِيبُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، فَأَمَّا مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّحْرِيمِ، كَحَالِ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْمُتَأَوِّلِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَالضَّمَانُ مُنْتَفٍ.

وَلِهَذَا لَمْ يُضَمِّنِ النَّبِيُّ - ﷺ - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ دَمَ الْمَقْتُولِ الَّذِي قَتَلَهُ مُتَأَوِّلًا، مَعَ قَوْلِهِ: ««أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»؟ وَلِهَذَا لَا تُقَامُ الْحُدُودُ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ.

وَالْخَيْرُ الثَّانِي اجْتِمَاعُ النَّاسِ لَمَّا اصْطَلَحَ الْحَسَنُ وَمُعَاوِيَةُ، لَكِنْ كَانَ صُلْحًا عَلَى دَخَنٍ، وَجَمَاعَةً عَلَى أَقْذَاءٍ، فَكَانَ فِي النُّفُوسِ مَا فِيهَا، أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - بِمَا هُوَ الْوَاقِعُ.

وَحُذَيْفَةُ حَدَّثَ بِهَذَا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَبْلَ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُ عُثْمَانَ عَلِمَ أَنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ جَاءَتْ، فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا قَبْلَ الِاقْتِتَالِ .

وَهُوَ - ﷺ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُومُ أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، وَبِقِيَامِ رِجَالٍ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ الْإِنْسِ، وَأَمَرَ مَعَ هَذَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي يُطَاعُ هُوَ مَنْ كَانَ لَهُ سُلْطَانٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَادِلًا أَوْ ظَالِمًا.

وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ -: ««مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةِ إِمَامٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، لَكِنَّهُ لَا يُطَاعُ أَحَدٌ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» .كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا. ثُمَّ قَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا نَارًا . ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَادْخُلُوهَا. فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - مِنَ النَّارِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطَفِئَتِ النَّارُ. فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ». وَفِي لَفْظٍ: ««لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ»

وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ -أَنَّهُ قَالَ: ««عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ».

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - وَنَحْنُ مَعَهُ تِسْعَةٌ: خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْآخَرُ مِنَ الْعَجَمِ، فَقَالَ: «اسْمَعُوا، هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ، مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ»» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ ﷺ - فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعْنَا عَلَى: «السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ».

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - ﷺ - يَقُولُ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنَّ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ». وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ».

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: ««سَيَكُونُ أُمَرَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ». قَالُوا: أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ؟ قَالَ: «لَا مَا صَلَّوْا» .

وَفِيهِ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: «مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلْيُنْكِرْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» .

تَمَّ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَيَلِيهِ الْجُزْءُ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَوَّلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ الرَّافِضِيُّ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ.

الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ

مقدمة الْفَصْلُ الثَّانِي

الْبَابُ الثَّانِي

قَالَ الرَّافِضِيُّ: الْفَصْلُ الثَّانِي

فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ.

وَمَضْمُونُ مَا ذَكَرَهُ: أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا بَعْدَ النَّبِيِّ - ﷺ - فَيَجِبُ النَّظَرُ فِي الْحَقِّ وَاعْتِمَادِ الْإِنْصَافِ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: لِأَنَّهُ أَحَقُّهَا وَأَصْدَقُهَا ; وَلِأَنَّهُمْ بَايَنُوا جَمِيعَ الْفِرَقِ فِي أُصُولِ الْعَقَائِدِ ; وَلِأَنَّهُمْ جَازِمُونَ بِالنَّجَاةِ لِأَنْفُسِهِمْ ; وَلِأَنَّهُمْ أَخَذُوا دِينَهُمْ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ

وَهَذَا حِكَايَةُ لَفْظِهِ:

قَالَ الرَّافِضِيُّ:إِنَّهُ لَمَّا عَمَّتِ الْبَلِيَّةُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - ﷺ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَهُ، وَتَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ، فَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا، كَمَا اخْتَارَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ مَلَكَ الرَّيَّ أَيَّامًا يَسِيرَةً لَمَّا خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ مَنْ قَتَلَهُ فِي النَّارِ ، وَإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ فِي شِعْرِهِ; حَيْثُ

يَقُولُ:فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَصَادِقٌ ... أُفَكِّرُ فِي أَمْرِي عَلَى خَطَرَيْنِ

أَأَتْرُكُ مُلْكَ الرَّيِّ وَالرَّيُّ مُنْيَتِي ... أَمْ أُصْبِحُ مَأْثُومًا بِقَتْلِ حُسَيْنِ

وَفِي قَتْلِهِ النَّارُ الَّتِي لَيْسَ دُونَهَا ... حِجَابٌ وَمُلْكُ الرَّيِّ قُرَّةُ عَيْنِي.

وَبَعْضُهُمُ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَرَأَى لِطَالِب الدُّنْيَا مُتَابِعًا فَقَلَّدَهُ وَبَايَعَهُ وَقَصَّرَ فِي نَظَرِهِ، فَخَفِيَ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَاسْتَحَقَّ الْمُؤَاخَذَةَ مِنَ اللَّهِ بِإِعْطَاءِ الْحَقِّ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ بِسَبَبِ إِهْمَالِ النَّظَرِ.

وَبَعْضُهُمْ قَلَّدَ لِقُصُورِ فِطْنَتِهِ، وَرَأَى الْجَمَّ الْغَفِيرَ، فَتَابَعَهُمْ، وَتَوَهَّمَ أَنَّ الْكَثْرَةَ تَسْتَلْزِمُ الصَّوَابَ، وَغَفَلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾، [سُورَةُ ص: ٢٤]، ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾، [سُورَةُ سَبَأٍ: ١٣] .

وَبَعْضُهُمْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ لَهُ وَبَايَعَهُ الْأَقَلُّونَ الَّذِي أَعْرَضُوا عَنِ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، وَلَمْ يَأْخُذْهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، بَلْ أَخْلَصُوا لِلَّهِ وَاتَّبَعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ طَاعَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ.

وَحَيْثُ حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْبَلِيَّةُ، وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ النَّظَرُ فِي الْحَقِّ وَاعْتِمَادُ الْإِنْصَافِ، وَأَنْ يُقِرَّ الْحَقَّ مُسْتَقَرَّهُ وَلَا يَظْلِمُ مُسْتَحِقَّهُ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، [سُورَةُ هُودٍ: ١٨] .

وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ لِوُجُوهٍ». هَذَا لَفَظَهُ.

فَيُقَالُ: إِنَّهُ قَدْ جَعَلَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ الْمَعْرُوفِينَ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ: إِمَّا طَالِبٌ لِلْأَمْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَأَبِي بَكْرٍ فِي زَعْمِهِ، وَإِمَّا طَالَبٌ لِلْأَمْرِ بِحَقٍّ كَعَلِيٍّ فِي زَعْمِهِ، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه - وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَلَا عَلِيٌّ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ طَلَبُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَجَعَلَ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ: إِمَّا مُقَلِّدًا لِأَجْلِ الدُّنْيَا، وَإِمَّا مُقَلِّدًا لِقُصُورِهِ فِي النَّظَرِ.

وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ وَأَنْ يَتَّبِعَهُ، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَسْأَلَهُ هِدَايَتَنَا إِيَّاهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، بَلْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.

وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - أَنَّهُ قَالَ: "«الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ». وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ اسْتِكْبَارًا وَحَسَدًا وَغُلُوًّا وَاتِّبَاعًا لِلْهَوَى، وَهَذَا هُوَ الْغَيُّ، وَالنَّصَارَى لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ وَالْأَخْلَاقِ، بَلْ فِيهِمُ الْجَهْلُ وَالْغُلُوُّ وَالْبِدَعُ وَالشِّرْكُ جَهْلًا مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الضَّلَالُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنَ الْأُمَّتَيْنِ فِيهِ ضَلَالٌ وَغَيٌّ، لَكِنَّ الْغَيَّ أَغْلَبُ عَلَى الْيَهُودِ، وَالضَّلَالَ أَغْلَبُ عَلَى النَّصَارَى.

وَلِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ الْيَهُودَ بِالْكِبْرِ وَالْحَسَدِ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْغَيِّ وَإِرَادَةِ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ٨٧]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، [سُورَةُ النِّسَاءِ: ٥٤]، وَقَالَ: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾سُورَةُ الْأَعْرَافِ: ١٤٦]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾، [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: ٤] .

وَوَصَفَ النَّصَارَى بِالشِّرْكِ وَالضَّلَالِ وَالْغُلُوِّ وَالْبِدَعِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: ٣١]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾، [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: ٧٧]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾، [سُورَةُ الْحَدِيدِ: ٢٧]، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَنِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ، فَقَالَ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾، [سُورَةُ النَّجْمِ: ١ - ٣]، فَالضَّالُّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ، وَالْغَاوِي الَّذِي يَتَّبِعُ هَوَاهُ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾، [سُورَةُ ص: ٤٥]، فَالْأَيْدِي الْقُوَّةُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْأَبْصَارُ الْبَصَائِرُ فِي الدِّينِ.

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ .

وَإِذَا كَانَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ،وَكِلَاهُمَا وَاجِبٌ، لَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُفْلِحًا نَاجِيًا إِلَّا بِذَلِكَ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَخَيْرُهَا الْقَرْنُ الْأَوَّلُ، كَانَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ وَصَفُوهُمْ بِنَقِيضِ ذَلِكَ، بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيَتَّبِعُونَهُ، بَلْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ عِنْدَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيُخَالِفُونَهُ، كَمَا يَزْعُمُونَهُ فِي الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْأُمَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عِنْدَهُمْ لَا يَعْلَمُ الْحَقَّ، بَلِ اتَّبَعَ الظَّالِمِينَ تَقْلِيدًا لِعَدَمِ نَظَرِهِمُ الْمُفْضِي إِلَى الْعِلْمِ، وَالَّذِي لَمْ يَنْظُرْ قَدْ يَكُونُ تَرْكُهُ النَّظَرَ لِأَجْلِ الْهَوَى وَطَلَبِ الدُّنْيَا، وَقَدْ يَكُونُ لِقُصُورِهِ وَنَقْصِ إِدْرَاكِهِ.

وَادَّعَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ طَلَبَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ بِحَقٍّ، يَعْنِي عَلِيًّا، وَهَذَا مِمَّا عَلِمْنَا بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ  أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا كَانَتْ ضَالَّةً بَعْدَ نَبِيِّهَا لَيْسَ فِيهَا مُهْتَدٍ، فَتَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ خَيْرًا مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾، [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: ١٥٧]، وَقَدْ «أَخْبَرَ النَّبِيُّ - ﷺ - أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى افْتَرَقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ» فَرِقَّةً فِيهَا وَاحِدَةٌ نَاجِيَةٌ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى مُوجَبِ مَا ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ أُمَّةٌ تَقُومُ بِالْحَقِّ وَلَا تَعْدِلُ بِهِ.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي خِيَارِ قُرُونِهِمْ، فَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْلَى. فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ خَيْرًا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَهَذَا لَازِمٌ لِمَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ.

فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي حِكَايَتِهِ لَمَا جَرَى عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ - ﷺ -مِنَ اخْتِلَافِ الْأُمَّةِ، فَكَيْفَ بِسَائِرِ مَا يَنْقُلُهُ وَيَسْتَدِلُّ بِهِ؟

الرد على القسم الأول من كلام ابن المطهر في المقدمة من وجوه

الوجه الأول في الرد على قول ابن المطهر: تَعَدَّدَتْ آرَاؤُهُمْ بِحَسَبَ تَعَدُّدِ أَهْوَائِهِمْ

وَنَحْنُ نُبَيِّنُ فَسَادَ مَا فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.

 

يوم الخميس 27 جمادى الآخرة 1447 هجرية

مسجد إبراهيم _شحوح _ سيئون

 

 

 

 

شارك هذا المحتوى

ساهم في نشر العلم والدال على الخير كفاعله

المصحف المرتل

الاستماع للقرآن الكريم كاملاً بصوت الشيخ.

الاستماع الآن ←

مكتبة الشيخ

تصفح وحمل المؤلفات والتحقيقات.

زيارة المكتبة ←