فهرس الكتاب
التبيان في حكم دخول العالم على السلطان
التبيان في حكم دخول العالم على السلطان
قال الإمام أحمد رحمه الله (5/427).
حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عله وسلم قَالَ: «اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ الْمَوْتُ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ».
وساقه بعده من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلّب به.
وهذا سند حسن.
وقال أبو دود رحمه الله (11/344).
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصِّيصِيُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: ايْمُ اللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عله وسلم يَقُولُ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا».
هذا حديث حسن.
قال الإمام أحمد رحمه الله (1/357).
حَدَّثَنَا رَوْحٌ وحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عله وسلم قَالَ: «مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا وَمَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتَتَنَ».
وأخرجه الترمذي (2256) والنسائي (7/195-196) وأبو داود رقم (2859) والطبراني (11030)، وفيه أبو موسى هذا قال الذهبي: في ترجمته من الميزان شيخ يماني يجهل ما روى عنه غير الثوري، ولعله إسرائيل بن موسى وإلا فهو مجهول، وذكر الحديث في ترجمته.
قلت: إسرائيل بن موسى مترجم في التهذيب والميزان ثقة؛ وثقه أبو حاتم وابن معين فإن كان هو كما توقعه الذهبي فالحديث صحيح، وإن كان المجهول كما جزم به الحافظ في التقريب فالحديث له شواهد يصلح بها للإحتجاج منها:
حديث أبي هريرة عند أحمد في المسند (2/371) بلفظ «مَنْ بَدَا جَفَا وَمَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتُتِنَ وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنْ السُّلْطَانِ قُرْبًا إِلاَّ ازْدَادَ مِنْ اللهِ بُعْدًا ().
وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (1618) والبيهقي (10/101) من طريق محمد بن الصباح الدولابي عن إسماعيل بن زكريا، عن الحسن بن الحكم النخعي، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة.
وأعل الحديث بالاضطراب؛ فالحديث ضعيف، لكن قوله () وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتُتِنَ» إذا كان إتيانه على ما دل عليه ما سيأتي من حديث كعب بن عجرة، أو من أجل الدنيا فالنبي صلى الله عله وسلم يقول: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ».
ويقول: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ».
ويقول صلى الله عله وسلم: «وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ». متفق عليه من حديث عمرو بن عوف.
ومما يؤيد ذلك ما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله رقم (1854) فقال:
حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عله وسلم قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ».
قال النووي رحمه الله: فمن كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه فليكرهه بقلبه وليبرأ...
وقوله: (ولكن من رضي وتابع) معناه ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع اهـ المراد.
وهذه قصة عجيبة فيها عبرة لأهل هذا الشأن.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (15/123).
ابن مقلة الوزير أحد الكتاب المشاهير محمد بن علي بن الحسن بن عبدالله.
أبو علي المعروف بابن مقلة الوزير وقد كان في أول عمره ضعيف الحال قليل المال ثم آل به الحال إلى أن ولي الوزارة لثلاثة من الخلفاء المقتدر والقاهر والراضي وعزل ثلاث مرات وقطعت يده ولسانه في آخر عمره وحبس فكان يستقي الماء بيده اليسرى وأسنانه وكان مع ذلك يكتب بيده اليمنى مع قطعها كما كان يكتب بها وهي صحيحة وقد كان خطه من أقوى الخطوط كما هو مشهور عنه وقد بنى له دارا في زمان وزارته وجمع عند بنيانها خلقا من المنجمين فاتفقوا على وضع أساسها في الوقت الفلاني فأسس جدرانها بين العشائين كما أشار به المنجمون فما لبث بعد استتمامها إلا يسيرا حتى خربت وصارت كوما كما ذكرنا ذلك وذكرنا ما كتبوا على جدرانها وقد كان له بستان كبير جدا عدة أجربة أي فدادين وكان على جميعه شبكة من إبريسم وفيه أنواع الطيور من القمارى والهزاز والببغ والبلابل والطواويس وغير ذلك شيء كثير وفي أرضه من الغزلان وبقر الوحش والنعام وغير ذلك شيء كثير أيضا ثم صار هذا كله عما قريب بعد النضرة والبهجة والبهاء إلى الهلاك والبوار والفناء والزوال وهذه سنة الله في المغترين الجاهلين الراكنين إلى دار الفناء والغرور وقد أنشد فيه بعض الشعراء حين بنى داره وبستانه وما اتسع فيه من متاع الدنيا
قل لابن مقلة لا تكن عَجِلًا
تبنى بأنقاض دور الناس مجتهدا
ما زلت تختار سعد المشتري لها
إن القرآن وبطليموس ما اجتمعا
واصبر فإنك في أضغاث أحلام
دارا ستقض أيضًا بعد أيام
فكم نحوس به من نحس بهرام
في حال نقض ولا في حال إبرام
فعُزل ابن مقلة عن وزارة بغداد وخربت داره وانقلعت أشجاره وقطعت يده ثم قطع لسانه وصودر بألف ألف دينار ثم سجن وحده ليس معه من يخدمه مع الِكبَرٍِ والضعف والضرورة وانعدام بعض أعضائه حتى كان يستقي الماء بنفسه من بئر عميق فكان يدلي الحبل بيده اليسرى ويمسكه بفيه وقاسى جهد جهيدا بعد ما ذاق عيشا رغيدا ومن شعره في يده
ما سئمت الحياة لكن توثقت
بعت ديني لهم بدنياي حتى
ولقد حطْت ما استطعت بجهدي
ليس بعد اليمين لذة عيش
بأيمانهم فبانت يمينى
حرموني دنياهم بعد ديني
حفظ أرواحهم فما حفظوني
يا حياتي بانت يميني فبيني
فانظر كيف كان حاله مع ذلك الأمير وكيف نكّل به.
وانظر ماذا صنع هارون الرشيد - رحمه الله - بالبرامكة، قال الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (13/639) حوادث سنة سبع وثمانين ومائة.
فيها كان مهلك البرامكة على يدى الرشيد قتل جعفر بن يحي بن خالد البرمكي ودمر ديارهم واندرست آثارهم وذهب صغارهم وكبارهم وقد اختلف في سبب ذلك على أقوال ذكره ابن جرير وغيره قيل إن الرشيد كان قد سلم يحي بن عبد الله بن حسن إلى جعفر البرمكي ليسجنه عنده فما زال يحي يترفق له حتى أطلقه فنمى الفضل بن الربيع ذلك إلى الرشيد فقال له ويلك لا تدخل بينى وبين جعفر فلعله أطلقه عن أمرى وأنا لا أشعر ثم سأل الرشيد جعفرا عن ذلك فصدقه فتغيظ عليه وحلف ليقتلنه وكره البرامكة ثم قتلهم وقلاهم بعد ما كانوا أحظى الناس عنده وأحبهم إليه وكانت أم جعفر والفضل أم الرشيد من الرضاعة وقد جعلهم الرشيد من الرفعة في الدنيا وكثرة المال بسبب ذلك شيئا كثيرا لم يحصل لمن قبلهم من الوزراء ولا لمن بعدهم من الأكابر والرؤساء بحيث إن جعفرا بنى دارا غرم عليها عشرين ألف ألف درهم وكان ذلك من جملة ما نقمه عليه الرشيد ويقال إنما قتلهم الرشيد لأنه كان لا يمر ببلد ولا إقليم ولا قرية ولا مزرعة ولا بستان إلا قيل هذا لجعفر ويقال إن البرامكة كانوا يريدون إبطال خلافة الرشيد وإظهار الزندقة وقيل إنما قتلهم بسبب العباسة ومن العلماء من أنكر ذلك وإن كان ابن جرير قد ذكره.
قلت: وهذا أخْيَر ملوك الدولة العباسية صنع بالبرامكة من تدميرهم، وزوال ملكهم ما ترى، فسامهم سوء العذاب لما حصل من بعضهم من الأسباب ولم يتعامل معهم بقول الله تعال: ﴿وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا﴾; [الأنعام:164]. ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾; [الحشر:2].
وما أحسن ما قيل:
ماذا تؤمل من قوم إذا غضبوا #جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فاستغن بالله عن أبواهم أبدًا#وإن نصحتهم خالوك تخدعهم
واستثقلوك كما يستثقل الظل
إن الوقوف على أبوابهم ذل
شارك هذا المحتوى
ساهم في نشر العلم والدال على الخير كفاعله