فهرس الكتاب
من ضعف عن القضاء بالحق لا يجوز له أن يتولى القضاء.
من ضعف عن القضاء بالحق لا يجوز له أن يتولى القضاء.
قال الإمام أبو داود رحمه الله رقم (3571).
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عله وسلم قَالَ: «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ». حديث حسن، وأخرجه الترمذي (1325) وابن ماجة (2308).
وقال الإمام أبو داود رحمه الله رقم (3573).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ السَّمْتِيُّ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عله وسلم قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ».
وأخرجه الترمذي رقم (1322) وابن ماجة (2315) والحديث صحيح.
وقال الإمام مسلم رحمه الله رقم (1826).
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كِلَاهُمَا عَنْ الْمُقْرِئِ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عله وسلم قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ».
وقال رحمه الله رقم (1825)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ ابْنِ حُجَيْرَةَ الْأَكْبَرِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا».
وعن عوف بن مالك ان رسول الله صلى الله عله وسلم قال: «إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي» فناديت بأعلى صوتي ثلاث مرات وما هي يا رسول الله؟ قال: «أولها ملامه وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل وكيف يعدل مع قرابته». أخرجه البزار والطبراني في الكبير.
وله شاهد من حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط مثله.
وهو من باب حديث أبي ذر الذي في مسلم كما تقدم قبله، فالحديث صحيح.
قال النووي رحمه الله: في شرح حديث أبي ذر هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية.
وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها أو كان أهلا ولم يعدل فيها...
قال رحمه الله: فلكثرة الخطر فيها حذر صلى الله عله وسلم منها وكذا حذر العلماء وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا.
قال الإمام محمد بن خلف المعروف بـ (وكيع) في أخبار القضاة (1/22).
حدثنا عبد الله بن محمد بن أيوب، قال حدثنا روح بن عبادة، قال حدثنا (سفيان) بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد قال: كتب الحكم بن أيوب نفرًا على القضاء فكتبني منهم فلو ابتليت ذلك لركبت حماري أو قال: ذهبت في الأرض قال: وقال لي جابر بن زيد وما أملك إلا حمارًا.
وهذا سند حسن؛ رجاله ثقات إلا شيخ وكيع ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد (1081) وقال: صدوق.
وقال رحمه الله (1/23)
حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا سليمان بن أيوب صاحب البصري، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: سمعت أيوب (أي السجستاني) يقول: رأيت أعلم الناس بالقضاء أشدهم له كراهة، وما رأيت أحدًا كان أعلم بالقضاء من أبي قلابة، وما أدرى محمد (بن سيرين) بالقضاء.
زاد البيهقي: في الكبرى (1098) بهذا السند قال: كان ابن سيرين يراد على القضاء فيفر إلى الشام مره وإلى اليمامة مرة.
وهذا سند صحيح؛ وإسماعيل بن إسحاق هو القاضي إمام، وسليمان بن أيوب مترجم في تاريخ بغداد (9/48) قال: ابن معين ثقة صدوق حافظ معروف.
وقال رحمه الله: (1/23).
أخبرني علي بن عبد العزيز الوراق، قال: حدثني معقل بن مهدي، قال: حدثنا حاتم بن وردان، قال: حدثنا أيوب، قال: طُلِب أبو قلابة للقضاء فلحق بالشام، فأقام فيها زمان ثم قدم قال: فقلت لو وليت قضاء المسلمين فعدلت بينهم كان لك بذلك أجر، قال يا أيوب السابح إذا وقع في البحر كم عسى أن يسبح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/358).
حدثنا بن علية عن أيوب قال: لما توفي عبد الرحمن بن أذينة ذكر أبو قلابة للقضاء فهرب حتى أتى الشام فوافق ذلك عزل صاحبها فهرب حتى أتى اليمامة فلقيته بعد ذلك فقال: ما وجدت مثل القاضي إلا كمثل رجل سابح في بحر وكم عسى أن يسبح حتى يغرق، وهذا أثر صحيح.
وساق رحمه الله (1/24)، من طريقين يشهد بعضهما لبعض أن مكحولًا قال: لو خيرت بين القضاء وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي أحب إلي من أن ألي القضاء.
وقال رحمه الله: (1/24).
حدثني عبد الله بن المغفل، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أبو علي التاجر، قال: قال الفضيل بن عياض إذا ولي الرجل القضاء فليجعل للقضاء يومًا وللبكاء يومًا.
وقال رحمه الله: (1/24).
حدثنا أبو بكر (محمد) بن حبش، قال: حدثنا عثمان بن محمد، قال: حدثنا جرير، عن ابن شبرمه قال: لا تجترئ على القضاء حتى تجترئ على السيف، وهذا سند حسن.
وقال رحمه الله: (1/26)
أخبرني أبو الأحوص، قال: حدثني سعيد بن عفير، قال: حدثني علي بن معبد، عن أبي يوسف، أن ابن هبيرة ضرب أبا حنيفة نحوًا من مائة سوط مفرقه على أنه يلي قضاء الكوفة، فلم بز الوابه قال: أبو حنيفة أنا ألي له عدد ما يدخل الكوفة من أحمال التين والعنب ففعل وخلى عنه.
وهذا سند حسن؛ أبو الأحوص هو محمد بن الهيثم القاضي مذكور بالعلم والرحلة فيه، روى عنه جمع كثير ولم يذكره أحد بسوء كما في تاريخ بغداد، وعلي بن معبد مترجم في تاريخ بغداد (12/109) ثقة.
وذكر ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (1/112).
أن سفيان الثوري رحمه الله طلب حتى أدخل على أبى جعفر، والمهدي قائم على رأسه فدخل سفيان وسلم ثم دنا من البساط فنحاه برجله وجلس، قال: فقال المهدي يا أبا عبد الله حدث أمير المؤمنين بشيء ينفعه الله عز وجل به، قال: إن سألتمونا عن شيء علم ذلك عندنا أخبرناكم، فأعاد عليه فقال: إني لست بقاص.
ثم قال: حدثنا أيمن بن نابل، عن قدامه بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عله وسلم يرمى الجمار على ناقة صهباء من بطن الوادي بلا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.
قال: ثم قال المهدي حدث أمير المؤمنين بشيء ينفعه الله عزوجل به فقال: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾; قرأ إلى قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾; [الفجر:14] ثم قطع، اهـ.
قال البيهقي: (10/99) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا صالح خلف بن محمد البخاري، يقول: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر رئيس نيسابور ببخارى، يقول: ثنا الحسين بن منصور النيسابوري، وعرض عليه قضاء نيسابور فاختفى ثلاثة أيام ودعا الله فمات في اليوم الثالث، وسنده صحيح.
وقال البيهقي في الكبرى: (10/22044).
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، يقول: سمعت إبراهيم بن أبي طالب، يقول: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي، يقول: قدمت على أحمد بن حنبل فجعل لا يرفع رأسه إلي فقلت: يا أبا عبد الله إنه يكتب عني بخراسان وإن عاملتني بهذه المعاملة رموا بحديثي، فقال: لي يا أحمد هل بد يوم القيامة من أن يقال أين عبد الله بن طاهر وأتباعه أنظر أين تكون أنت منه، قال قلت: يا أبا عبد الله إنما ولاني أمر الرباط لذلك دخلت فيه، قال: فجعل يكرر علي يا أحمد هل بد يوم القيامة من أن يقال أين عبد الله بن طاهر وأتباعه انظر أين تكون أنت منه.
قلت: وعبد الله بن طاهر هذا قال عنه الذهبي: في سير أعلام النبلاء (9/309) الأمير العادل قلّده المأمون مصر وأفريقيه ثم خراسان، وكان ملكًا مطاعًا، سائسًا، مهيبًا، جوادًا ممدحًا، من رجال الكمال، ومع هذا أنكر الإمام أحمد رحمه الله: على أحمد بن سعيد الرباطي توليه لبعض لأعمال الحكومية مع هذا الملك المطاع الجواد..الخ حسب ماذكر الذهبي.
رحم الله الإمام أحمد كيف لو رأى أحوال أكثر القضاة في زماننا هذا؛ وما وصلوا إليه من التهالك على الدنيا، وقلة الخوف من الله عزوجل، وتقليد أعداء الإسلام، والحكم بقوانين البشر؛ التي إنما وضعت لنبذ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عله وسلم وتهوين هيبتهما في نفوس المسلمين، ودهمائهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وما أحسن ما قاله ابن الوردي رحمه الله في لاميته:
جـانِبِ الـسُّلطانَ واحذرْ بطشَهُ
لا تَـلِ الأحـكامَ إنْ هُـمْ سألوا
إنَّ نـصفَ الـناسِ أعـداءٌ لـمنْ
فـهـو كـالمحبوسِ عـن لـذَّاتهِ
إنَّ لـلنقصِ والاسـتثقالِ في لفظةِ
لا تُــوازى لـذةُ الـحُكمِ بـما
فـالـولاياتُ وإن طـابتْ لـمنْ
نَـصَبُ الـمنصِبِ أوهـى جَلَدي
لا تُـعانِدْ مَـنْ إذا قـالَ فَـعَلْ
رغـبةً فـيكَ وخـالفْ مَنْ عَذَلْ
ولـيَ الأحـكامَ هـذا إن عَـدَلْ
وكِـلا كـفّيه فـي الـحشر تُغَلْ
الـقـاضي لَـوَعـظا أو مَـثَلْ
ذاقَـهُ الشخصُ إذا الشخصُ انعزلْ
ذاقَـها فـالسُّمُّ فـي ذاكَ العَسَلْ
وعـنائي مـن مُـداراةِ الـسَّفلْ
وقال الإمام محمد بن الأمير الصنعاني رحمه الله في رسالته (إزالة التهمة ببيان ما يجوز وما لا يجوز من مخالطة الظلمة).
قال: مخالطة الظالم أنواع وأقسام منها ما يوجب جزيل الثواب وفيها ما يوجب أليم العقاب,
فالنوع الأول أن يكون البيان ما يجب عليه، وإرشاده إلى ما يتوجه خطابه إليه وتعليمه علم الشريعة، وإن لم يعمل فإنه إبلاغ للشرائع، وهو واجب اتفاقًا فهذه المخالطة واجبة بالاتفاق، ومنه مخالطة رسل الله عليهم السلام للكفار الذين حصر الله الظلم عليهم فقال: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾; ومعلوم أن كل رسول من رسل الله يخالط الكفار ويغاشهم في منازلهم، ويجالسهم، يأمرهم بالإيمان، ويزجرهم عن الكفر والعصيان، ويدعوهم إلى ما يقربهم إلى الرحمن، ويبعدهم عن ساحة الشيطان وهذا واجب على كل عالم من ورثة الرسل في جميع الأزمان، وهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب على كل إنسان بنصوص السنة والقرآن، وهذه المخالطة ترفع مقام من خالطهم إلى غرف الجنان.
النوع الثاني: أن يخالطهم اتقاء شرهم على نفسه، أوماله، أو عرضه أو على أي مسلم في أي الثلاثة فهذا جائز، وقد بكون واجبًا، قال الله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾; وهي في الكفار فبالأولى في مسلم ظالم.
الثالث: مخالطة الظالم لقرابه ورحامه، فهذا جائز بلا ملامة قال الله تعالى: في الأبوين الكافرين: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾;.
الرابع: المخالطة في المعاملات الدنيوية بالبيع منه والشراء، فإنه جائز بالاتفاق ما لم يعلم أن الذي في يده حرام أو يظن، وهذا قد عقد له الفقهاء مسألة وقالوا: يجوز معاملة الظالم بيعًا وشراءً فيما لم يظن تحريمه ولا تجارة إلا بمخالطة ودليل هذا إجماع الصحابة متاجرتهم مع اليهود والكفار بل هذا رسولنا صلى الله عله وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي في قرظة اقترضها منه، واليهود من أظلم الظلمة كما سمعت في الآية.
الخامس: مخالطته لتأخذ مما في يده من الأموال التي لك فيها حق، فإن هذا جائز فعله أئمة الإسلام.
وقال (ص:214) واعلم أنه وجب عليك المخالطة بما ذكرناه في القسصم الأول، أو جازت لك كما في سائر الأنواع فيتعين عليك الإقتصار على قدر الحاجة من ذلك، حافظًا للسانك عن استحسان ما هم فيه، ولقلبك عن الميل إلى ما لا يحي إليه الميل، وحارسًا لباطنك عما يحرم عليك بالاختلاط فإنا رأينا أقوامًا اتصلوا بالملوك لمقاصد على دعواهم صالحة، ومتاجر في الآخرة رابحة، فما لبثوا إلا يسيرًا من الزمان حتى صاروا من جملة الأعوان، وتخلقوا بأخلاق الظالمين وسلكوا مسالكهم في كل حين. وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عباس مرفوعًا: «سيكون قوم من بعدي من أمتي يقرؤون القرآن ويتفقهون في الدين، فيأتيهم الشيطان فيقول: لو أتيتم السلطان فأصلح من دنياكم واعتزلتموه بدينكم، ولا يكون ذلك كما لا يجنى من القتاد إلا الشوك كذلك لا يجنى من قرابهم إلا الخطايا» انتهى.
ولله در الكلام النبوي ما أصدق معناه فقد شاهدناه عيانًا، ونسأل الله عفوًا وغفرانًا. انتهى.
واعلم أنه لما كان من يتصل بالظلمة لأي الوجوه التي تجوز له مما قدمنا غير ممنوع عنه شرعًا إلا أنه مطنة أن يميل إلى هواهم، ويعينهم على بلواهم، ويستحسن ما قبحه الله وسوله صلى الله عله وسلم فإن حفظ النفس مع الإتصال بهم أمر عسير إلا على من يسره الله لليسرى، وآثر على الأولى الأخرى، فإنه ربما تم له الإختلاط مع حفظ دينه، وإن كان ذلك أمرًا عزيزًا يكاد أن يلحق بالمحال، ولعزته حذر السلف رضي الله عنهم عن الإتصال بالظلمة والملوك، وورد عنهم أنهم كانوا يتعلمون تجنب أبواب السلطان كما يتعلمون السورة من القرآن، وكلام الأئمة من العلماء في التحذير من الإتصال بهم كثير جدًا.
وقال رحمه الله (ص:217) وللسيد الإمام العلامة محمد بن إبراهيم الوزير أبيات كتبها إلى أخيه السيد العلامة الهادي بن إبراهيم لما اتصل بالإمام صلاح الدين محمد بن علي المكنى بالناصر، وهو المعروف الآن بصلاح الدين قبره في صنعاءمشهور مزور رأيت إثباتها وجوابها هنا، لعزتهما وحسنهما ونصحهما، قال السيد محمد رحمه الله:
يا سبط إبراهيم لا تنس ما
فإن آباءك لو شاهدوا
مالك لا تسلك نهجًا وقد
وأهلنا من قبلنا طالما
فانهض إلى أوطانهم شاخصًا
فوقفة في مسجد ساعة
هذا وإن كنت امرءًا عاشقًا
وإنما تنفع من قلبه
واعلم بأن العز في الزهد والـ
فابعد عن الملك وأربابه
ولا تطعهم يا شقيقي ولو
ولا تضع سا سيدي حله
لا تنظرن يومًا إلى قائم
وعاصهم إن كنت ذا همة
كان عليه في التحلي أبوك
بعض الذي تفعله أنبوك
سن لنا فيه أبوك السلوك
عاشوا وهم في الحرب سلوك
وارمك بها ما إن أردت الرموك
خير لنا من مِلْك مُلك الملوك
للملك لا تنفع لديك الصكوك
لا يعتريه في الملك الشكوك
ـفضل وأهل الملك طرًا هلوك
وإنه هم يومًا له أهلوك
وليتهم في أمرهم أو ولوك
وحلية قد صاغها أولوك
وانظرن إلى ماقالوه ناصحوك
لهم وطاوعهم إذا ناصحوك
فأجابه عليه السيد الهادي رحمه الله:
فارق بني الدنيا وإن أكرموك
يومًا إذا ما أنت أرضيتهم
ومثل خط فوق ماء إذا
لهم عليك الحق تيهًا سواء
إن قطعوا عنك عطاياهم
وإن هم أعلوك في رتبة
ولا يغرنك إن نوبوك
فابعد عن القوم فلو جئتهم
ولا تحمل لهم راية
فإنما تحمل في مثل ما
فارغب عن الملك وأربابه
واقنع عن الدنيا بمرقوعه
وكل حلالاً خشنَا وإتدم
وجالس الزهاد وانهد إلى الـ
فإن بعض الفضلا كان في
وكان لا يأكل في عمره الـ
وليست الدنيا بمحمودة
والزهد فيها ثوب عز لمن
لكنه عز فتى لابس
وقد أتى يا ولدي منك لي
كأنه الشمس ولكنها
هو اليقين الحق ما خالطت
ما أوضح النهج الذي جئته
واعلم أني يا ابن أم على النهج الـ
وكل حال غير هذا وإن
ولست بالراضي بها حاجة
تلك التي من وصف أصحابها
وارفض بني الملك وإن قربوك
ملوك أو أسخطتهم عاتبوك
عاتبتهم والويل إن عاتبوك
أعتبتهم في الأمر أو أعتبوك
أو أقطعوا أملاكهم عذبوك
فإنما في هوة كبكبوك
فإنما فيها أرى نيبوك
طفلاً وخالطتهم شيبوك
في الحرب لو أنهم حاربوك
أم بها المختار غزوة تبوك
وإن هم في شأنه رغبوك
ولو أنها مصنوعة من مسوك
شكرًا وكن للدهر ممن يلوك
ـعباد واقصدهم وإن جانبوك
جزيرة يعبد رب الملوك
ـمحمود إلا من لحوم السموك
هيهات ما فيها لنا من سلوك
يلبسه جودًا من يحوك
في ذلك الثوب الشريف المحوك
نظم هو الدر الذي في السلوك
طالعة ما إن لها من دلوك
قلبي فيما قلت فيه الشكوك
وأوضح المسلك لا فض فوك
ـنهج الذي نوره سابقوك
قيل به لا يرتضيه أخوك
أحسن فيها رفضها والتروك
حماقة الروم وكبر التروك
وقال العلامة الصنعاني رحمه الله:
ذبحت نفسك لكن لا بسكين
ذبحت نفسك والستون قد وفدت
ذبحت نفسك يا لهفي عليك وقد
أي الثلاثة تغدوا في غداة غد
فواحد في جنان الخلد مسكنه
يأتي القيامة قد غلت يداه فكن
فإن يكن عادلاً فكَّت وإن يكن الـ
فإن تقل أكرهونا كان ذا كذبًا
وإن تقل حاجت مست فربتما
والله وصى به في الذكر في سور
قد شد خير الورى في بطنه حجرًا
ما مات والله عالم أبدًا
ليس القضاء مكسبًا للرزق نعرفه
إلا لمن للرشا كفاه قد بسطت
سل الهد والغنى ممن خزائنه
وحيث قد صرت مذبوحًا فخذ جملاً
إياك إياك كتابًا تخالهمُ
واحذر حجابًا وحُجَّابًا مع خدم
وجانب الرشوة الملعون قابضها
وفي الرشا خفيات ويعرفها
واحذر قرينًا تقل بئس القرين غدًا
ولا تقل ذا أمين الشرع أرسله
واحذر وكيلاً يريك الحق باطله
ولا تنفذ أحكامًا ومستندًا الـ
لا تجعلن بيوت الله محكمة
لتنظرن بين أقوام صراخهم
لا يستطيع المصلي من صراخهم
وثمة أشياء ما بينتها لك في
إن عشت سوف ترى منها عجائبها
ومن يمت قلبه لا يهتدي أبدًا
هذي النصائح إن كان القبول لها
مالم ظفرت أنا بالفوز منفردًا
ثم الصلاة على المختار من مضر
كما رويناه عن طه ويسين
عليك ماذا ترجى بعد ستين
كنا نعدك للتقوى وللدين
إذ يجمع الله أهل الدين والدَّون
واثنان في النار دار الخزي والهون
يوم التغابن فيها غير مغبون
أخرى ففي النار من أقاران قارون
فنحن نعرف أحوال السلاطين
فأين صبرك من حين إلى حين
كم في الحواميم منه والطواسين
ولو أراد أتاه كل مخزون
سل التواريخ عنه والدواوين
كما عرفناه في أهل الدكاكين
بسط اللصوص شباكًا للثعابين
سبحانه بين حرف الكاف والنون
للنصح ما بين تخشين وتليين
إنسًا وهم مثل إخوان الشياطين
فهمهم أكل أموا المساكين
نصًا فسحقًا لإخوان الملاعين
من كان ذا همة في الحفظ للدين
كم حاكم بقرين السوء مقرون
فكم رأينا أمينًا غير مأمون
يزفه بين تنميق وتحسين
أحكام رجم بتبخيت وتخمين
ولا تحلق من خلف الأساطين
صراخ ثكلى ولكن غير محزون
يأتي بفرض ولا يأتي بمسنون
نظمي وتعرفها من غير تبيين
إن كان قلبك حي غير مفتون
لو جئته بصحيحات البراهين
مهرًا ظفرت غدًا بالخرَّد العين
بأجر نصحي يقينًا غير مظنون
وآله السادة الغر الميامين
شارك هذا المحتوى
ساهم في نشر العلم والدال على الخير كفاعله